قبل عدة أيام عدت إلى أرض المملكة العزيزة عن طريق مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، انبهرت بسرعة الإجراءات التي لم أصادف مثلها في المطارات التي زرتها والتي تفوق العشرين مطارًا في جميع أنحاء العالم. عندما وصلت إلى صالة القدوم، واجهت جهاز الجوازات الإلكتروني، وضعت جوازي على الماسح الضوئي وخلال ثوانٍ معدودة أنهيت إجراءات الدخول. وقبل وصولي إلى سير استلام الحقائب، شاهدت شنطتي قد وصلت قبل وصولي، استلمتها ونظرت للوقت متفاجئًا من الأمر، لأنه لأول مرة يحدث أن أنهي جميع إجراءات السفر بهذه السرعة المبهرة. تأكدت من حساب الوقت، ووجدت أنني أنهيت إجراءات السفر كاملة من تأكيد الدخول عبر الجوازات واستلام الحقائب ونقطة التفتيش في أقل من دقيقة، مع استبعاد وقت المشي بعد النزول من الطائرة إلى حين الوصول للجوازات. زرت مطارات كبيرة عدة حول العالم، منها الجديد ومنها غير المزدحم أبدًا، لكني لم أواجه مثل هذه السرعة في الإجراءات كما وجدتها في مطار جدة. عندما شعرت بالراحة بعد هذه الخدمة المذهلة، تأكدت أن الحجيج وضيوف الرحمن في راحة تامة ومأمن بين أيدي السعوديين المخلصين لضيوف الرحمن الكرام. تأكدت أن هناك اهتمامًا وعناية فائقة من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين بخدمة ضيوف الرحمن على أكمل وجه مهما كلف الأمر. فعندما تصل إلى مطار جدة في أيام الحج ووقت الذروة، وتجد هذه الخدمة السريعة جدًا رغم وقت الذروة وقدوم الحجيج في أول أيام الحج، فهذا دليل واضح وملموس على أن هناك عملاً دؤوبًاِ وتفانيًا من قبل المسؤولين، وعناية تامة بأن تكون أيام الحج من أكثر الأيام راحة على ضيوف الرحمن. وأن تكون خدمة الحجيج وحمايتهم هي الهدف الأول للقيادة والمؤسسات المسؤولة عن إدارة الحج. ولو نظرنا إلى الجانب الأمني، فإن النظام هذه السنة صارم جدًا في منع غير المرخصين للدخول لمكة، وكذلك منع دخول المواطنين والمقيمين الذين لا يسكنون داخل حدود الحرم بمكة. أنا أسكن بمكة ورأيت الكم الهائل من الدوريات الأمنية والمنتدبين والمفتشين، ورأيت صرامة نقاط التفتيش في التحقق من هوية كل شخص وتفتيش سيارته قبل السماح له بالدخول إلى حدود الحرم بمكة. وهناك من أصدقائي العسكريين من هم مرابطون منذ بداية شوال، وذلك يحدث لأول مرة خلافًا للسنين السابقة. والذي شدني أكثر وأثلج صدري أن التعامل مع المواطنين والمقيمين حسب القانون، لم أجد أي تفرقة في التعامل الأمني بين المواطنين والمقيمين الأعزاء. والأروع من ذلك أن التعامل مع الحجيج وضيوف الرحمن لطيف جدًا من قبل المسؤولين والعسكريين والموظفين، وكأنها ثقافة توارثها السعوديون من خادم الحرمين الشريفين في إعلاء شأن الحاج والمعتمر ومعاملته بلطف كضيف للرحمن قبل كل شيء. تجد المسؤول عندما يخدم الحاج مستمتعًا وصبورًا ويتفانى في خدمته وإرشاده، وكأنه فرد من عائلته. هذه الثقافة الأخلاقية والمبادئ الكبرى المتوارثة في المجتمع السعودي المسؤول عن أمانة الحج والحجيج تدعو للفخر والشكر والإشادة، وهي رسالة تربوية للأجيال القادمة ونظام أخلاقي نادر في هذا الزمن المتسارع والمليء بالضوضاء والأنانية والفردانية المقيتة. خدمة الحجيج وضيوف الرحمن رسالة رحمة يقدمها السعوديون لكل العالم، الحج دعوة للطمأنينة والتراحم والألفة بين الشعوب، الحج ممارسة أخلاقية عميقة حيث الجميع سواسية في موسم الحج المبارك، يتحقق فيه «لا فرق بين أعجمي ولا عربي إلا بالتقوى». جميع الحجاج يرتدون ملبسًا واحدًا وهيئة بسيطة واحدة متطابقة باللون والشكل؛ مهما كان الاختلاف بينهم «طبقيًا وعلميًا واجتماعيا» يبقى الجميع سواء أمام رب العالمين.