تجمع الرياض الصحي الثاني يستقبل أكثر من 470 متدربًا ومتدربة في برامج البورد السعودي    الهلال والأهلي يبلغان نهائي كأس الاتحاد السعودي لكرة الطائرة    امير القصيم يزور محافظة رياض الخبراء    800 مليار ريال حجم الاستثمارات للمشاريع المدعومة من الصندوق الصناعي    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    محافظ تيماء يستقبل رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية بمحافظة تيماء    عمادة الدراسات العليا والبحوث تعقد اللقاء الأول لمنسقي برامج الدراسات العليا للعام الأكاديمي 1447ه    أمانة نجران : أكثر من 1700 جولة خلال أسبوع لمكافحة الحشرات    تعليم جازان يتصدر ب 10.8% من المدارس الحكومية المتميزة على مستوى المملكة.    الرواية السعودية في كتارا..3 مسارات وكثافة إنتاج وتركيز على التحولات    محمد بن سلمان رجل السلام    وكيل وزارة التعليم يشكر مدير تعليم الطائف    أخطرنا أمريكا بفرض قيود على المعادن الأرضية النادرة قبل الإعلان عنها    المملكة تتصدى للكوارث والأزمات بالعمل الإنساني المستدام وتنفيذ مبادرات نوعية شمولية    تحذيرات روسية لواشنطن وأوروبا: «توماهوك» قد تشعل مواجهة نووية    أكد أن الظروف الحالية تشجع على التسويات السياسية.. عون يدعو للتفاوض مع إسرائيل لحل القضايا العالقة    من أوساكا إلى الرياض    في ختام الملحق الآسيوي المؤهل لمونديال 2026.. قمة الحسم تجمع الأخضر وأسود الرافدين    رينارد: مواجهة المنتخب العراقي الأهم في حياتي    الإمارات وقطر يتصارعان على بطاقة التأهل للمونديال    الهلال يحتاج إلى وقفة تقويم    زمن الاستحواذ مختلف    أهمية الحوكمة    مشاركات سعودية مكثفة في اجتماعات البنك والصندوق الدوليين    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    دعا «هدف» لتطوير برامج دعم توظيف السعوديين.. «الشورى» يطالب الصندوق العقاري بمراجعة البرامج التمويلية    ضبط 29,644 قرصاً محظوراً و192 كجم قات    «الأرصاد» : حالة مطرية خلال نوفمبر بمعظم المناطق    المملكة تتضامن مع أسر ضحايا حادث شرم الشيخ    وثيقة سلام تاريخية تنهي حرب غزة    فيروسات الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي    فحص الماموجرام    تخريج أطباء سعوديين من برنامج «القيادة المتقدمة» بأوتاوا    برعاية وزير الداخلية وبمشاركة 40 دولة ومنظمة.. مؤتمر الإنتربول يناقش مستقبل العمل الشرطي    ماجد الكدواني بطل «سنة أولى طلاق»    الكلمة الطيبة.. محفّزة    «التخصصي» يعزز ريادته في العلاجات الجينية    الإفراط في استخدام الشاشات يضعف التحصيل الدراسي للأطفال    التهاب المفاصل.. أهمية التشخيص المبكر والعلاج المناسب    المبيض متعدد الكيسات (1)    14% انخفاضا في مخالفات مزاولة المهن الهندسية    40 ترخيصا صناعيا جديدا    1.13 تريليون صادرات السعودية خلال 90 يوما    الصقر رمز الأصالة    الوطن أمانة    المدينة تحتضن ملتقى علمياً لمآثر شيخ الحرم ابن صالح    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 67,869 شهيدًا    رئيس جامعة الملك سعود يدشن جائزة "جستن" للتميز    أرنولد: لن نفرط بالتأهل    النصر يخسر ودية الدرعية بهدفين    أمراض الراحة    المَجْدُ.. وَطنِي    ترمب: ولي العهد السعودي يقوم بعمل رائع.. وثيقة توقف حرب غزة وتعيد الإعمار    انطلاق البرنامج التأهيلي "الأحكام الشرعية لإجراءات الجنائز" بمحافظة أحد المسارحة    انطلاق أعمال ورشة العمل الثانية لأندية السلامة المرورية بجامعات وكليات المنطقة الشرقية    "التحالف الإسلامي" يعقد ندوة فكرية حول التطرف الفكري في البيئة التعليمية في المالديف    رئيس جمعية حقوق الإنسان يستقبل وفد هيئة حقوق الإنسان    «الحياة الفطرية»: إجراءات شاملة لصون الطيور المهاجرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الصحوي السلفي إلى الصحوي الليبرالي
نشر في الوطن يوم 22 - 10 - 2023

هذا هو المقال التاسع عشر من مقالات «آلية عمل الصحوة اليوم»، وفيه نواصل الحديث عن الأرضيات والمنطلقات النظرية والحركية لتنظيمات الصحوة في السعودية، وفق سياقاتها التاريخية، حتى نفهم بشكل أدق وأعمق «آلية عملها اليوم».
وأنوه في البداية، إلى أن أغلب الكتابات حول الصحوة تتناولها في صورتها القديمة، ويتم الحديث عنها وكأنها أثر جامد، لا حركة حية تطور نفسها وتواكب المتغيرات، خصوصًا على المستوى التربوي، والذي تضمن من خلاله جودة مادتها الصلبة، وهم الأفراد، ثم تطور مواقفها السياسية والأيديولوجية، وتطور تعاطيها مع الاقتصاد، وتدعم توغلها الاجتماعي والثقافي بأدوات جديدة ومتجددة، مغايرة للصورة النمطية للصحوة، وهنا مكمن الخلل في قراءة (الأفراد/ المنتجات) الصحوية الجديدة، مما يسمح لها بإعادة إنتاج نفسها من جديد، دون أن يشعر بها أحد.
وحتى أعطي مثالًا على ذلك، لا أجد أفضل مما حدث في صيف 1994، حيث لم يمض على تأسيس «التنظيم السروري»، كتنظيم مستقل عن التنظيم الإخواني الجامع، سوى عشر سنوات، وكان النموذج «السلفي» من البداية، هو النموذج المسيطر داخل التنظيم بمختلف أدواته ونماذجه، بل ورموزه، ولا يلوح في الأفق أي تنازل عن هذا النموذج، وحينما أقامت ثلة صحوية في ذلك الصيف، ما سمي (بمؤتمر نصرة الدعاة)، والذين افتأتوا فيه على الدولة في كلماتهم، ثم خرجوا في مسيرة امتدت لساعة ونصف الساعة، مشيًا على الأقدام، انطلقت من منزل سلمان العودة في بريدة، حتى المقر القديم لإمارة منطقة القصيم، وكان لا يدور في أذهان أولئك «الصحويين» من الشباب المختطفة عقولهم، إلا المفاهيم المضلِلة التي أضلهم بها أشياخ الصحوة، وهي نصرة الدين، والنهي عن المنكر، وتكثير سواد الصالحين، والإصلاح، وغيرها من المفاهيم التي يمكن أن تنفذ من خلالها إلى «وجدان السلفي»، وهذا مختلف جذريًا عما كان يدور -وقتها- في أذهان مسيري تلك الجموع ومحركيها وقوادها، والذين وضعوا نصب أعينهم زعزعة هيبة الدولة، وكسر مكانتها في قلوب الناس لا غير، وارجعوا للوثيقة المهمة، («كاسيت» من وراء القضبان، العودة، 1994).
الصحوة لم تقف عند اعتماد الشكل «السلفي» صورةً لتدين أفرادها، بل تدرجت في مغادرة هذا النموذج إلى نماذج أخرى ربما كان بعضها مناقضًا تمامًا، للنموذج السلفي، مثل النموذج «الليبرالي»، حتى وإن ظلت محاضنها التربوية تربي على الأسلوب القديم، لتطلق العنان للصحوي الناشئ بعد التأسيس التربوي؛ ليختار ما شاء من النماذج التي أمامه؛ ليتشكل ألوان طيف بدايته «السلفي»، وآخره «الليبرالي»، وكلها تؤيد توجه الإسلاموية الحركية.
ولك أن تقارن بين ذهنية الذين خرجوا تحت راية (نصرة الدعاة، 1994)، وذهنية أولئك الذين قاموا بحملة (فكوا العاني، 2011) أو روجوا لحملة ما سمي (بثورة حنين، 2011)، والتي أطلق عليها الكاتب والإعلامي «طارق الحميد» عنوانًا ذكيًا ومعبرًا وهو: «يوم البيعة الصامتة»، وكأن الشعب السعودي برمته جدد بيعته لمليكه؛ بعدم التعاطي مع هذا التأليب والخروج على ولي الأمر، والذي لم يكن في يوم من الأيام طريقة لتعامل السعودي مع وطنه، وقيادته.
وستجد بالمقارنة أنك واقع بين نموذجين متناقضين، يجمعهما الشكل فقط، فما فكر فيه «حطب صحوة 1994»، مختلف تمامًا عما فكر فيه «حطب صحوة 2011»، فأتباع الصحوة في 2011، أخذوا جرعات مكثفة أيديولوجيًا عن الحريات، والحقوق، والمشاركة السياسية، كما يراها قادة الصحوة الطامحون للحكم والسلطة، والذين يحاولون نقض البيعة الشرعية، والإرث التاريخي للحكم والملك في البلاد، والذين لو نجحوا لرأيت «من أعدائهم الآن» من يؤيدهم بحجة الفقه الغادر المتخاذل تحت نظرية «بيعة المتغلب»، وما كان يحاول بلوغه (أفراد صحوة 2011)، مشابه لما كان يدور في أذهان «قادة الصحوة» في 1994 وليس الأفراد، وإن لم يكن بنفس التفاصيل، لتطور المفاهيم داخل النظرية الصحوية، واتساعها وانفتاحها لاحقًا بعد ذلك التاريخ، أما ما يدور في ذهن غلمان الصحوة ومطايها اليوم فهو أشد خطرًا مما كان يدور في ذهن سفر الحوالي، وناصر العمر، وسلمان العودة، ورفاقهم في (1994)، ولك الخيال بسعة السماء والأرض؛ لمحاولة تصور خطورة هذا «الثلاثي الإرهابي» لو أتيحت له فرصة أخرى اليوم.
وفي ظني أن اللحظة الزمانية الفاصلة في تحرر التحول البراغماتي الصحوي من القيود، جاءت مع وفاة «ابن باز» في مايو 1999، حيث كان الشيخ هو الحامي والحارس الأكبر لطليعة الصحوة، ولذلك خلعوا عليه في الثمانينيات لقب «قائد الصحوة»، حتى اللحظة التي غضب فيها منهم عندما أطلقوا «مذكرة النصيحة» للتداول في يوليو 1992، وقابلوا غضبه بغضب أكبر، ولكنه كان مكتومًا، متداولًا بينهم، حفاظًا على السند الشرعي لهم في المجتمع، والأوساط السلفية، وبعد وفاته، انقلب الصحويون الكبار على الخط الذي كانوا يمشون فيه خلفه -أي الخط السلفي-، وهذا لا يعني أن الشيخ منتمٍ للجماعة بأي وجه من الوجوه، ولكنه القدر، وظروف الزمان، والمكان، والمكانة.
لم يكن يخطر بالبال أن يلجأ «الصحوي» للتحول إلى الليبرالية، إلا تمرحلًا، ولكن الأحداث جاءت بما لم يكن في الحسبان، ونظرًا لوجود خيارات مفتوحة، كان أسهلها وأكثرها نفعًا؛ التحول إلى الليبرالية، حيث وجدوا أن المفاهيم الليبرالية هي الطريق الأقصر للقرب من الهدف الأكبر الذي صنعه حسن البنا قبل مئة سنة تقريبًا، وهو خلق دولة إسلامية تحت راية الخلافة الإخوانية، تشمل الدول الإسلامية قاطبة. وهذا الأمر -أي التحول الصحوي إلى الليبرالية- أدركه الكاتب والإعلامي عبد الرحمن الراشد، حينما قال في لقائه له مع صحيفة المدينة في 2006: «سلمان العودة، أكثر ليبرالية مني».
وأغلبية الذين التقوا في نقطة التوافق «الليبروصحوية»، هم من تقاطعت أهواؤهم ورغائبهم مع الصحويين، بأي طريقة كانت، ويأتي على رأسها التعاون في مجالات الاستثمارات المختلفة، أو في العلاقات الشخصية، والتي يجيد الصحويون إقامتها وتنميتها ورعايتها، وهي مهمة فئة معينة من «دعاة الصحوة»، فالصحوي في (المرحلة الليبرالية) يتعاون مع المغاير في أقل النسب التشاركية، حتى لو كانت أقل من (1 %)، فيعمل مع من يقبل العمل معه في ظل هذه النسبة، ويطوعه في النهاية لتأييد بقية الأهداف والأغراض التي يريدها، وهذا بخلاف (المرحلة السلفية)، والذي لو توافق فيها الصحوي مع المغاير بنسبة (99 %)، لمنعته النسبة الضئيلة المتبقية من أي تعاون أو تشارك، وهذه نقلة إستراتيجية نوعية في عمل الصحوة اليوم.
أخيرًا، يجب أن ندرك أن أعظم تكتيك يستخدمه الإسلام السياسي في السعودية اليوم، هو أن تكون الخسارة جزءًا من لعبة المكسب، أو جزءًا من قواعد اللعبة الجديدة، فأي تراجع تكتيكي هو خسارة في ظاهره، غير أن حقيقته هي حفاظ على مكتسبات أنفع وأضخم لم تقع عليها العين بعد، وهذه المكتسبات ربما تكون أفرادًا في مواقع حساسة ومؤثرة، أو غير ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.