تفردت بلدة رُجال على امتداد تاريخها بتفاصيل ومعاني لذة التوهج التراثي والحضاري، وبصمت على صفحات تاريخ الوطن المشرق الولاء والاعتزاز. كان أهالي البلدة قديما يفرحون عندما تحكم السحب الداكنة طوقها على سماء البلدة، وينزل الغيث بأمر الله يرددون قولهم المشهور«امسمن في سود امعشايا»؛ بمعنى سيخلفه اخضرار الأرض ونبات الزرع وارتفاع منسوب مياه الأبار والخير الوفير، والذي حدث في مساء يوم مضى أن الحالة المطرية والرياح اقتلعت زوائد لم تكن في الأساس من بيئة المكان وطبيعته والحمد لله أن لطف بالناس. ومرت بلدة رُجال خلال العقود الخمسة الماضية بمراحل إعادة تأهيل ونفض تراكمات النسيان عن ماضيها العريق لتعود، كما كانت مركزا ثقافيا واقتصاديا بدعم حكومي سخي. وعندما تسلم مسؤولية نائب البلدة محمد بن يحيى شبلان يُحسب له أنه أدخل لأول مرة ثقافة العمل المؤسسي، واستحدث لجانا تطوعية، وعقد اجتماعات متو اصلة في منزله مع أهالي البلدة وراهن وبقوة على قدرة الشباب والشابات على تحمل مسؤولية النهوض بالعمل وإنتاج الأفكار الجديدة، وكأنه يوجه رسالة للجيل السابق ممن جاوزوا الستين.. يشكرهم على مجهوداتهم في سنوات خلت وأن المرحلة لم تعد فنونا شعبية فقط وإنما الهمم العالية والإبداع. وجاءت إستراتيجية منطقة عسير«قيم وشيم» لتؤكد أن المنطقة سراتها وتهامتها ستكون بحول الله قبلة للزوار والسواح طوال العام، وهذا ما يضاعف مسؤولية العمل في بلدة رُجال، لتحقيق تطلعات صاحب السمو الملكي الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير الذي حول المنطقة إلى ورش عمل كبرى، ومكن الأهالي ليكونوا شركاء فاعلين في مراحل التأسيس والبناء والتطوير. وعندما يحرص سموه حفظه الله على اعادة أحياء القرى التراثية في المنطقة فذلك يعني ان القيم والشيم للانسان والمكان هما الأساس في تحقيق أهداف التنمية واستشراف المستقبل الواعد والانطلاق نحو ثمار الرؤية المباركة. وجاءت جمعية بلدة رُجال الجديدة التي شُكلت مؤخرا لتواكب تطلعات المرحلة الجديدة وتركز على الاستثمار واستغلال الفرص الاقتصادية وخدمة الأهالي، وسبق أن تقدمت بمقترحات منذ ثلاث سنوات إلى نائب البلدة وأوعد بدراستها إلا أن الجميع انشغل بأعمال ومتابعة انضمام البلدة إلى قائمة التراث العالمي لليونسكو.. وتتمحور المقترحات على ما يلي: أولا: استثمار المواقع في أعلى الجبال المطلة على البلدة مثل الشرقي وقوة والعودة والمرواح، وإنشاء مقاه ومطاعم واستراحات من خلال تنفيذ مشروع للتلفريك يربط تلك المواقع وينقل الزوار.. وكذلك إنشاء سلالم خشبية تجعل الوصول إلى مرتفعات معينة أمرا ممكنا لإعطاء المزيد من اكتشاف الطبيعة ورياضة الصعود والنزول. ثانيا: إنشاء مكتب سياحي بمدينة أبها ويتم تزويده بوسائل الاتصال الحديثة مهمته الحجز والترتيب لقضاء يوم كامل في ربوع البلدة بأسعار مناسبة، بما فيها الإيواء والطعام والتنقل. ثالثا: أهمية سرعة إنشاء ساحة خارج البلدة تقام فيها الاحتفالات والمناسبات والفنون الشعبية وتبقى البلدة فقط للزيارة والاطلاع على ما تضمه من مقتنيات وطرز معمارية وأن يتم تحديد عدد الزوار بما تراه الجهات المختصة من نواحي السلامة للزوار والمكان، ولا يتم السماح بدخول أعداد أخرى إلا بعد مغادرة المجموعة الأولى، ويمكن تنظيم الدخول ووقته باستخدام أجهزة الرصد ومتابعة مستمرة من المرشدين والمرشدات السياحيين. رابعا: دعوة الفنانين التشكيليين والنحاتين في المنطقة لعمل لوحات ومجسمات مستوحاة من تراث البلدة لتجميل المداخل وتغطية التشوهات البصرية. خامسا: لأن الاقتصاد ركيزة أساسية أرى إنشاء عشرات الدكاكين من البيئة المحلية وتكون في محيط البلدة لبيع الصناعات التقليدية والملابس والحلي النباتات العطرية والعسل، وغير ذلك مما كانت البلدة تنتجه. وأخيرا أتمنى أن يتم في بلدة رجال إنشاء بنك للأفكار لتلقي المقترحات الجديدة وغير المسبوقة للمواطنين من أرجاء المنطقة في المجالات التنموية والسياحية والتراثية والثقافية والصناعية، ويتم كل عام تكريم ثلاثة ممن تقدموا بجديد الافكار التي تساعد في الرقي والبناء ويدعى الى الحفل رجال الأعمال والمسؤولين للتبني والتنفيذ. وفي هذا العهد الزاهر فإن السمن لم يعد في سواد العشايا فقط، وإنما في خيرات وأمن وأمان ورغد عيش، وهمم عالية ومستقبل مشرق بإذن الله تعالى.