لم تدخر جهدًا المرجعية الدينية العليا في بيان موقفها من المواقف العامة والخاصة في العراق بعد عام 2003، وعلى الرغم من تاريخها الطويل إلا أننا سنقتصر في سطورنا هذه على الدور المهم الذي مارسته في ظل احتلال للبلاد، وفوضى وتهديد داخلي وخارجي، فقد استطاعت على الرغم من التهديدات المستمرة للإرهاب أن توحد صفوف العراقيين جميعًا بمختلف انتماءاتهم، وتوجه الرأي العام الداخلي نحو هدف بناء الوطن والدولة معًا، فكانت المكونات العراقية جميعها تثمن هذا الدور وهذا الموقف الذي استطاع إن يوجه بوصلة العمل السياسي نحو صندوق الانتخابات، وبغض النظر عن السلبيات والنواقص، وما تلاها من عمليات الفساد المنظم، إلا أننا يمكن أن نعتقد أن ما حدث من نقلة مهمة في الديمقراطية كان شيئًا جيدًا، وأهم ما يمكن الخلوص له هو التبادل السلمي للسلطة الذي يعد نادرًا في عالمنا العربي والإسلامي. البيان الأخير للمرجع الأعلى سماحة الإمام السيد السيستاني كان لافتًا في مفرداته، فقد استخدم التشجيع والتحذير والإنذار للموطن العراقي في تأكيده على ضرورة المشاركة الفاعلة في الانتخابات، ومن خلال القراءة للبيان يمكن أن نستخلص مجموعة من الإضاءات أهمها: - المرجعية الدينية شجعت على المشاركة ولكن قرنتها بالواعية المسؤولة (يعني أن تكون على قدر المسؤولية في الانتخاب). - المرجعية وضحت أن رغم الملاحظات إلا أن الانتخابات ما زالت هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى بر الأمان. - المرجعية الدينية حذرت الجمهور من تكرار الخطأ السابق، وأن يأخذوا الدروس في الانتخابات (صوتك من ذهب)، وركزت على استغلال هذه الفرصة التاريخية في إحداث التغيير المنشود. - إبعاد الأيادي الفاسدة، وهو أمر واضح أن أي أيدٍ فاسدة وسارقة للمال العام ينبغي إبعادها عن المشهد الانتخابي، وهو أمر يمكن أن ينجح بتكاتف الجهود الواعية في الانتخابات. - تحذير من تكرار نفس الاختيار في الانتخابات الماضية، وهذا ما حصل فعلاً (بلد منهار، وأموال مسروقة ومهربة للخارج، وسوء إدارة). - طبعًا كررت قرارها بعدم الوقوف مع أي كتلة أو شخص وأن الأمر متروك للمواطن نفسه في الاختيار وبما يحقق الاختيار الصائب. - ركزت في سير المرشحين في دوائرهم، وهي رسالة واضحة في عدم انتخاب من تلطخت أياديهم بدم الأبرياء، أو من سرق المال العام. - انتخاب الصالح النزيه. - الحرص على سيادة العراق ومنع التدخلات بشأنه الداخلي (التدخلات الداخلية والخارجية). - التحذير من اختيار غير الأكفاء أو المتورطين بالفساد أو أطراف لا تؤمن بثوابت الشعب العراقي الكريم أو تعمل خارج إطار الدستور (الأحزاب والتيارات المنفلتة التي تعمل خارج نطاق القانون). - التأكيد على دور المفوضية العليا بالعمل على نزاهة الانتخابات ومنع تدخل الميليشيات المنفلتة، وإبعاد العصابات المنظمة عن أي تأثير للانتخابات القادمة وبما يحقق نزاهتها. يبقى شيء مهم أن على العراقيين جميعًا انتخاب العراق وحده دون غيره، والذهاب إلى صناديق الاقتراع بثقة عالية في انتخابات الكفء النزيه، والبعيد عن دوائر الفاسدين والقتلة، وأن يسعى جاهدًا إلى إزاحة هذه القمامة التي جلبت الخراب والدمار للعراق وشعبه.