في أحدث دراسة صدرت عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، تستشرف أحوال العالم حتى سنة 2015، إشارة مهمة إلى تصاعد حدة التوتر السياسي – الاقتصادي بين الولاياتالمتحدة وأوروبا، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار تحالفهما قريباً. بالفعل لم تعد الشراكة التاريخية بين دفتي الأطلنطي كما كانت قبل ستين عاماً، والتي مثلت قوة وقدرة ليس لأوروبا وأمريكا فقط وإنما للعالم برمته. فقد كشف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين عن خلاف أساسي في الثقافة الاستراتيجية بينهما. ولم تختلف إدارة أوباما ( الديمقراطي ) في تعاملها مع الأوروبيين عن إدارة سلفه (الجمهوري) جورج بوش الابن، الذي سخر من أوروبا وقسمها إلى «قديمة» و»جديدة». ففي الذكرى العشرين لاحتفالات أوروبا بتوحيد شطريها وانهيار جدار برلين، اعتذر أوباما عن الحضور مكتفيا برسالة عبر شريط فيديو، ولم يبد اهتماما كافيا بالقمة بين الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، رغم أنها عقدت في واشنطن، واعتذر عن تناول الغداء تاركا مدعويه مع نائبه جو بايدن، وهو موقف لم يستحسنه الأوروبيون. أضف إلى ذلك أن جولات أوباما الآسيوية المتكررة أكدت بما لا يدع مجالا للشك، أن التغيرات في أولويات الإدارة الأمريكيةالجديدة تركز أكثر على الجانب الآخر من المحيط الهادئ باتجاه الصين، وليس على الضفة الأخرى من المحيط الأطلنطي (أوروبا)، وجاءت تصريحاته لتعزز هذا التوجه: الصين شريك استراتيجي يجب أن يلعب دورًا أكبر في آسيا وفي العالم. اللافت للنظر أن تصريحات أوباما لم تغضب الاتحاد الأوروبي فقط وإنما «الهند» أيضا، أو قل نبهت كلا من « أوروبا « و» الهند « إلى القواسم المشتركة بينهما، وما ينبغي عليهما أن يشرعا فيه. فقد احتجت الهند قبل عامين على ما قاله أوباما لوسائل الإعلام فيما يختص بالشراكة مع الصين والدور الذي ستلعبه مستقبلا، وهو ما اعتبرته تهديدا مباشرا لها، خاصة وأن هذا الدور في (آسيا) يعود إلى الهند وحدها، كما أنه من غير اللائق أن يتحدث أوباما عن الصين (وهي الخصم والحكم في نفس الوقت) بوصفها قادرة على الاضطلاع بدور في مشكلة (كشمير) محل الصراع بين الهند وباكستان. «جاسوانت سينغ» وزير العمل الهندي السابق، الذي شغل مناصب وزارية عديدة منها: الخارجية والمالية والدفاع، وهو الآن عضو معارض في البرلمان الهندي، أكد أن: «الجوار المحيط بالهند يتسم بعدم الاستقرار، وأن الولاياتالمتحدة دخلت هذا الجوار دون أن تستوعب العواقب الكاملة لدخولها، سواء بالنسبة للهند أو البلدان المجاورة لها. ويتعين عليها أن تدرك أن البلد شبه القاري الذي يأوي أكثر من مليار نسمة لا يمكن أن يظل محصوراً ضمن حدود جنوب آسيا. وأن تتقبل أن تناقش بصراحة العواقب الضارة المترتبة على التوسع المفرط لقوتها العسكرية والدبلوماسية والسياسية، في إطار هذه الحرب البعيدة التي دفعت المنطقة إلى مأزقها الحالي». في المقابل فإن العلاقات التاريخية (الهندية – الأوروبية) لم تتوقف قط، منذ الإمبراطورية الرومانية قبل الميلاد وحتي اليوم، بل إن الاتحاد الأوروبي حاليا يعد ثاني أكبر شريك تجاري للهند، برأسمال بلغ 68 مليار يورو (93.5 مليار دولار أميركي) في عام 2010، وهذا يمثل نحو %20 من تجارة الهند العالمية. وتعادل صادرات الخدمات من أوروبا إلى الهند عشرة مليارات يورو، في حين تقدر قيمة الواردات من الخدمات بما يزيد قليلاً على ثمانية مليارات يورو. فضلا عن أن الهند تمتلك سوقا كبيرا 1.2 بليون نسمة من السكان، واقتصادا يتوقع له أن يحقق نموا سريعا بنسبة %8 خلال السنوات القليلة المقبلة، الجديد هو أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والهند لم يكن في أي وقت أقوى مما هو عليه الآن، رغم أن القسم الأعظم من المناطق الساخنة في العالم تقع بين الهند وأوروبا، أو كما قال وزير الخارجية السويدي «كارل بيلت» ذات مرة: «بين نهر السند ونهر النيل»، وينظر العديد من المحللين الاستراتيجيين إلى التحالف بين الهند وأوروبا على أنه ضرورة لا غنى عنها لتحقيق «هدف القرن الحادي والعشرين» في أن يصبح العالم أكثر أمنا وسلما. أو كما قال «شاشي ثارور» وزير الدولة الهندي للشؤون الخارجية سابقا، وعضو البرلمان الهندي حاليا: فإن العالم سوف يكون أكثر فقراً إذا فشلت القارة القديمة ( أوروبا ) وشبه القارة الجديدة الصاعدة ( الهند ) في البناء على قيمهما الديمقراطية ومصالحهما المشتركة لتقديم بديل حقيقي لهيمنة الولاياتالمتحدة والصين.