الاتحاد يضم الغامدي حتى 2023    بوصلة إيزاك تتحول من ليفربول إلى الهلال    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بحضور رئيس النادي    إنقاذ 18 عاملًا في منجم ذهب بكولومبيا    حرائق الغابات في كندا أتت هذا العام على مساحة بحجم كرواتيا    تراجع أسعار النفط    الأسهم الأمريكية تغلق على تباين    مقتل ثلاثة أشخاص في انفجار بمركز تدريب للشرطة في لوس أنجلوس    البرازيلي "شاموسكا" مدرباً للتعاون مجدداً    أمير الشرقية يدشّن المخطط العام لمطار الملك فهد الدولي... الأحد    إدارة "النصر"تعيّن البرتغالي"خوسيه سيميدو"رئسياً تنفيذياً    النصر: تعيين البرتغالي سيميدو رئيسًا تنفيذيًا مكلّفًا    القبض على (3) أشخاص في القصيم لترويجهم مواد مخدرة    أرقام رائعة تُميز ديفيد هانكو مدافع النصر المُنتظر    الهلال يدخل سباق التعاقد مع مهاجم نيوكاسل    للمسؤول … طريق لزمة – الوهابة في انتظار كاميرات ساهر والإنارة    توزيع (3.255) سلة غذائية في عدة مناطق بباكستان    "وِرث" و"السودة للتطوير" تطلقان برنامجًا تدريبيًّا لفن القط العسيري    2000 ريال تكلفة كتابة السيرة الذاتية للباحثين عن عمل    1.9 مليون مصلٍ بالروضة الشريفة وأكثر من 3.4 مليون زائر للنبي صلى الله عليه وسلم    المعيقلي: «لا حول ولا قوة إلا بالله» كنز من كنوز الجنة    حسين آل الشيخ: النميمة تفسد الإخاء وتورث العداوة    حساد المتنبي وشاعريته    حملات إعلامية بين «كيد النساء» و«تبعية الأطفال»    ميراث المدينة الأولى    أبعاد الاستشراق المختص بالإسلاميات هامشية مزدوجة    رياح نشطة وطقس حار على معظم مناطق المملكة    "هيئة الطرق": الباحة أرض الضباب.. رحلة صيفية ساحرة تعانق الغيوم عبر شبكة طرق متطورة    الجبل الأسود في جازان.. قمم تعانق الضباب وتجذب الزوار بأجوائها الرائعة    إنقاذ مريضة تسعينية بتقنية متقدمة في مركز صحة القلب بمدينة الملك سعود الطبية    جراحة تنهي معاناة مريضة من آلام مزمنة في الوجه والبلع استمرت لسنوات ب"سعود الطبية"    تجمع مكة الصحي يفعّل خدمة فحص ما قبل الزواج بمركز صحي العوالي    اختتام أعمال الإجتماع الأول للجان الفرعية ببرنامج الجبيل مدينة صحية    خارطة لزيادة الاهتمام بالكاريكاتير    معادلة عكسية في زيارة الفعاليات بين الإناث والذكور    مهند شبير يحول شغفه بالعسل إلى علامة سعودية    السعودية: نرفض كافة التدخلات الخارجية في سوريا    جامعة الإمام عبد الرحمن تختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي    (إثراء) يعلن عن فوز 4 فرق في المنافسة الوطنية لسباق STEM السعودية    برنامج تطوير الثروة الحيوانية والسمكية يعلن توطين تقنية «فيچ قارد»    المملكة تعزي العراق قيادة وحكومة وشعبًا في ضحايا «حريق الكوت»    تعليم الطائف يختتم فعاليات برنامج موهبة الإثرائي الأكاديمي لأكثر من 200 طالب وطالبة    صدور بيان عن السعودية و 10 دول حول تطورات الأحداث في سوريا    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    المدينة المنورة تبرز ريادتها في المنتدى السياسي 2025    الأولى عالميا.. التخصصي يزرع جهاز دعم بطيني مزدوج بمساعدة الروبوت    تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بقاتل الدكتور عبد الملك بكر قاضي    وزارة الحج والعمرة تكرم عمر بالبيد    المفتي يستعرض أعمال "الإفتاء" ومشاريع "ترابط"    20 قتيلاً.. وتصعيد إنساني خطير في غزة.. مجزرة إسرائيلية في خان يونس    ضبط 275 كجم مخدرات والإطاحة ب11 مروجاً    د. باجبير يتلقى التعازي في وفاة ابنة شقيقه    " الأمن العام" يعرف بخطوات إصدار شهادة خلو سوابق    بوتين لا ينوي وقف الحرب.. روسيا تواصل استهداف مدن أوكرانيا    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب العربي وسلطوية التهريج
نشر في الشرق يوم 15 - 04 - 2012

كلما قرأت جدلا صحفيا، أو شاهدت في إحدى القنوات الفضائية العربية تحليلا أو حوارا سياسيا، كان أم ثقافيا، لأكاديميين أو لخبراء أو باحثين أو مثقفين عرب، إلا وشعرت باستهجان وألم كبيرين.
شعرت بأن هذا الإنسان العربي مسكين بالفعل. فهو منذ أن خرج من سلطوية العثمانيين ومن بعدهم قوى الاستعمار التي دفعتْه جميعا للتخلي عن نتاجه الحضاري والنزوح نحو الصحراء الشاسعة والواحات المعزولة ليرتد بدائيا ومتخلفا عن ركب الحضارة بقرون.
إلا ووقع في سلطوية الخطاب العربي الذي مارس ولا يزال يمارس دكتاتورية مطلقة على عقل هذا الإنسان، تماما كما يمارسها الزعماء الذين يستهجنهم هذا الخطاب، إلى درجة أنه أصيب بجنون عظمة مضحك في ذاته مثلهم.
لقد تطور الخطاب العربي مع الزمن، فغّير أدواته، وغيَّرَ كذلك مواصفاتِ الفرسان الذين يمنحهم صهوته مع تطور أدوات التواصل، لكنه بقي وفيا جدا لمضمونه ونتائجه على أرض الواقع العربي. منذ استحضره عبدالناصر، إلى أن استفرد به الزعماء ورجال الدين لعقدين تقريبا من الزمن.
إلى أن أستله منهم الفرسان الجدد (التنويريون)، رافعين أسلحة العلم التي ترفرف في جوانبها أعلى الشهادات المزينة بأختام أهل العلم ومراكزه ومؤسساته في كافة أنحاء العالم. فمع انفجار التقنية الحديثة تعددت وسائل الإعلام والتواصل مع الجماهير لتتعدد أشكال التسلط الخطابي وتخلق ألف سوق من عكاظ ، ليس أولها الفضائيات، ولا آخرها الصحف، التي تتسع لكل هؤلاء الفرسان من ليبراليين إلى إسلاميين.
وبكل أمل الدنيا فتح المسكين العربي مثلي ومثلك عينيه وأذنيه لينهل من غنائم الوعي والإدراك، وليتخلص من الجهل وغياب المعرفة، ومن مشاعر النقص والخوف من مؤامرات الاستعمار الحديث حينما يشرّح فرسانه الواقع والمستقبل الذي يعيشه بأسلحة العلم وبتكتيكاته من خريطة النظرية إلى أدوات البيانات إلى حدية المنهجية.
لكنه اليوم وبعد ما يزيد عن عشر سنوات من الالتصاق بهذا الخطاب والمعارك المشتعلة التي يخلقها، أدرك وتعامل بعقله الجمعي اللاواعي مع حقيقة وواقع هذه المعارك الخطابية، فأعاد توظيفها في حياته بطريقه لم يدركها لا الفرسان الذين انشغلوا بشكل مبكّر بأجواء معاركهم بالشكل الذي لم يجدوا فيه فرصة تمكّنهم من تقييم الأرباح والخسائر التي من أجل تحقيقها خاضوا هذه المعارك، ولا حتى المؤسسات الإعلامية التي خلقت لهم هذه المساحات السلطوية، مع بديهية وجود آلية فيها لتقييم للاستراتيجيات الرئيسية، ومعرفة مدى مقاربة النتائج من الأهداف، أيا كانت هذه الأهداف أو النوايا.
لم يدرك أي منهم أن هذا المسكين المجرد من سلطة العلم ومن السلطة الرمزية (السلطة الرمزية هو المسمى الذي أطلقه بيير بوردو على قدرة فئة معينة على تمرير المعرفة لفئة أخرى لتكون متلقية فقط كالتليفزيون الذي اعتبره من أخطر السلطات الرمزية. ونظرية السلطة الرمزية من أهم النظريات الحديثة في سيسيولوجيا المعرفة)، الذي يتحرك كقطيع ويناقش كعامي، ويتفاعل كغوغاء لديه عقلا لا واعيا هو من يعيد فرز نتاج النخب المفكرة فيسقط ويعيد توظيف ويثبت ما يحتاجه منها.
وعلى مر التاريخ لطالما كانت حاجات الإنسان الغريزية هي من يشكل بناء مجتمعه، لا مكتسباته المعرفية ولا العلمية التي هي ليست سوى أدوات. لقد أدرك هذا المسكين العامي المتخلف بأن معارك فرسانه ونقاشاتهم لا تنتج من ما تنتجه الحروب سوى الغبار والضوضاء. فلا معرفة سيسيح دمها، ولا حقائق سيسلخ جلدها.
وأدرك أيضا بأن المسرح الإعلامي هو مسرح بالفعل ويحمل كل أركان الدهشة والترقب والضحك والانفعال، لكنه غير منتج للحقيقة أو المعرفة بالمطلق. لقد وجد في حروب فرسانه الوهمية ثمة متعة حقيقية قادرة على كسر الرتابة وغياب المعنى،.
ففي كرهم وفرهم وسقوطهم وقيامهم تولد الدهشة والترقب والانفعال والمراهنات أيضا.
هذا برأيي ما يحدث الآن ما بين الإنسان العربي وما بين وسائله الإعلامية، وتحديدا ما بينه وما بين طبقته النخبوية المفكرة، التي أصبح رموزها من خلال الفضائيات والصحف يتحدثون مباشرة لعوامهم، يشرحون ويحللون ويتصارعون من خلال الأفكار والمعارف التي يدّعونها.
لقد انتزع هذا التواصل الإعلامي الذي ظهرت فيه النخب العلمية بخطاب منفعل ومتسلط ومشبع بالتحيز الفكري البعيد عن المنهجية والموضوعية، وبالتالي القدرة على الإقناع، الثقة وحتى الاحترام التي كان يحملها العربي نحو رجالات العلم والثقافة لديه. والأقسى برأيي، أن هذا التواصل خلق لديه نوعا من الفوضى الفكرية والنفسية، وانتزع منه القدرة على التصديق وفرز الحقائق وتقييمها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.