الفريق الروسي يحصل على درع البطولة ومليون دولار بعد تغلبه على السعودي "Team Falcons" في المباراة النهائية    المدينة المنورة.. إرثٌ جيولوجي يمتد إلى أعماق التاريخ    الشرطة الألمانية تقتل رجلا أطلق النار على ضباط ومارة    وفاة الوليد بن خالد بن طلال    المملكة ترحب باتفاق إعلان المبادئ بين الكونغو وحركة 23 مارس    المملكة تحمي أطفال العالم    نقي يتوّج بكأس بطولة منطقة الشرقية 2025 للهوكي    الأخضر الأولمبي يواصل تدريباته في أوزبكستان استعداداً للدورة الدولية    ولي العهد يرحب بإجراءات الشرع لاحتواء الأحداث الأخيرة في سورية    الأخضر السعودي تحت 19 عاماً يواجه ألبورايا الإسباني في بطولة كوتيف الدولية    فتح باب القبول في المعاهد الصناعية وكليات التقنية المسائية    عمالتكم عطشى يا محطات الوقود    زفاف أسطوري لنجل إيلي صعب    الرنين المغناطيسي يقتل رجلا    الداخلية السورية: توقف الاشتباكات في السويداء وإخلاؤها من المقاتلين البدو    روسيا تهاجم ميناء أوديسا الأوكراني    وسط تقييمات متباينة بين الطرفين.. تصعيد متبادل بين واشنطن وطهران بشأن «النووي»    وسط خطة أمنية وإدارية شاملة.. 6 أشهر لإعادة تأهيل الخرطوم    القيادة تُعزّي رئيس جمهورية العراق في ضحايا الحريق الذي وقع في مدينة الكوت    39 % معدل النمو .."ندلب": 986 مليار ريال ناتج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية    أسعار الذهب تتراجع على وقع قوة الدولار    41% نسبة السعوديات في القطاع الخاص    2700 رخصة بناء بأمانة حائل في شهرين    السعودية مرشحة لاستضافتها العام المقبل.. العالم يترقب مواجهة ميسي ويامال في كأس فيناليسيما    ممثل الوطن يستحق المقعد الآسيوي    الهلال يفاوض آيزاك هداف نيوكاسل    10 % رسوم حديد التسليح    أرامكو: نتائج الربع الثاني 5 أغسطس    الإطاحة بمقيمين لترويجهما مادة الكوكايين المخدر    من البلاغ إلى القبض.. الأمن العام يختصر الزمن ويحسم القضايا    إحباط 1541 محاولة تهريب خلال أسبوع في مختلف المنافذ    الداخلية: ضبط 23 ألف مخالف في الحملات الميدانية    ولي العهد للرئيس السوري: واثقون من قدرة الحكومة السورية بقيادتكم على تحقيق الأمن والاستقرار    أزياء مستلهمة من ثقافة المملكة    حياكة السدو    5 أفلام صيفية تتنافس في الصالات العربية    أكدت أهميتها في بناء المعرفة.. "الدارة" تناقش دور الوثائق التاريخية في صياغة الذاكرة الوطنية    مطلقات مكة يتصدرن طلبات النفقة المستقبلية باستقطاع شهري    86 ألف مكالمة في يوم واحد إلى مركز 911    أشياء يومية تعج بالبكتيريا الخفية    فوائد غير متوقعة للنحاس عند كبار السن    دراسة: البيض لا يرفع مستويات الكوليسترول الضار    وفاة «مؤثر» اتبع حمية اللحوم لمدة 3 سنوات    العلا قديماً.. تناغم الإنسان والطبيعة    "الأمن والحياة" توثّق عاماً من الإنجاز    المملكة تحصد سبع جوائز دولية في أولمبياد الرياضيات والمعلوماتية    أمير القصيم يدشن مبادرة "أيسره مؤونة" للتوعية بتيسير الزواج    خطيب المسجد الحرام: ذِكر الله يُحيي القلوب ويُؤنس الوحشة    أكثر من 11 ألف طن من مياه زمزم لسقيا ضيوف الرحمن في المسجد النبوي    القبض على باكستانيين في المدينة المنورة لترويجهما (الشبو) المخدر    «من الميدان»... القطاعات الأمنية توثّق جهودها اليومية بعدسة الكاميرا    المملكة تقدم مساعدات لنازحي السويداء    ترسيخ الاعتدال ومحاربة التطرف    وفاة الوليد بن خالد بن طلال بعد معاناة مع المرض    السعودية تُرحب بالتوقيع على إعلان مبادئ بين الكونغو وتحالف نهر الكونغو    رغم إعلان وقف إطلاق النار.. خروقات في السويداء وعدد القتلى يرتفع إلى 940    أمير منطقة جازان يستقبل وكيل الإمارة والوكلاء المساعدين الجدد    نيابة عن أمير عسير محافظ طريب يكرم (38) متفوقًا ومتفوقة بالدورة (14) في محافظة طريب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يجني على براعم الوطن؟
نشر في الشرق يوم 22 - 11 - 2011

في كل مرة تحل مصيبة “رأي عام” في أرض الوطن يعود السؤال المحير من جديد: من المسؤول عن هذه المصيبة؟ ولم لا نرى أحداً من المسؤولين تتم إدانته بالتقصير أو الإهمال أو الخطأ أو بالفساد والمحسوبية؟
وبالرغم من أن ذاكرة الوطن تختزن عشرات القضايا والأحداث التي تسببت في جروح غائرة يصعب اندمالها، إلا أن المواطن بالكاد يستحضر واقعة إدانة واحدة تشير إلى المتسبب وتحمله مسؤولية الحدث، وتعاقبه بما يزجره ويردع غيره من المسؤولين ويُشف صدور المواطنين.
لا شك أن حوادث من نوع حريق مدرسي قاتل، أو موت معلمات في حادث باص مدرسي أو غرق جماعي لا تسرّ مسؤولاً كبيراً أو صغيراً، كما أن الواقع يستبعد أن يكون أياً من المسؤولين يتعمد التسبب في مثل هذا الفواجع والمآسي لأبناء الوطن وهو المسؤول عن تقديم الخدمة لهم، ولكن المنطق يستبعد أيضاً أن تتكرر الحوادث المؤلمة وتكون كلها أو جلها بدون أسباب بشرية كالإهمال والتقصير، أو الخطأ الجسيم، أو عدم بذل العناية المطلوبة، أو إساءة استعمال السلطة.
ثمة حقيقة قد تكون محبطة، وهي أن محاولة تحميل طرفاً بعينه مسؤولة مثل هذا النوع من الحوادث غالباً ما يبوء بالفشل، وأحد أسباب ذلك أن هو تحديد الوصف الجرمي والعلاقة السببية بالحادث ومقدار المسؤولية من أجل اتهام مسؤول ما هي عملية معقدة في ظل الواقع الإداري المتردي للعديد من خدمات الأجهزة الحكومية ذات العلاقة.
وعلى سبيل المثال، في حادثة حريق مدرسة “براعم الوطن” من الممكن إحصاء قائمة طويلة من الأسباب المركّبة التي قد يكون مجموعها أو بعضها سبباً للفشل في إنقاذ أرواح الضحايا، وذلك مثل: تصميم المدرسة الذي لا يراعي جوانب السلامة في طريقة توزيع الفصول وتعدد الطوابق ومخارج الطوارئ ونقاط التجمع، ضيق النوافذ ووجود الشبك الحديدي المانع من الإنقاذ، غياب التدريب على التعامل مع مثل هذه الحالات الطارئة، عدم استجابة الدفاع المدني بشكل سريع، موقع المدرسة وضيق مساحات الطرق المؤدية إليها، الزحام وعدم تجاوب السائقين لتسهيل مرور سيارات الإطفاء، أعمال لصيانة الطرق أعاقت سيارات الدفاع المدني من الوصول في الوقت اللازم، عدم تعامل إدارة المدرسة مع الحدث بالشكل المناسب والتباطؤ في إبلاغ الجهات المختصة، تجمهر المارة وتدخل بعضهم للإنقاذ بطريقة غير صحيحة، هذه بعض الأمثلة على الأسباب التي قد يكون مجموعها أو بعضها هو المعيق فعلاً من الإنقاذ.
واقعياً، مثل هذه الأسباب ليست سوى صوراً متكررةً في المشهد اليومي للعديد من مدارس الوطن وشوارع الوطن ولدى أبناء الوطن. فالمباني الحكومية المستأجرة – بطبيعتها- غير مهيأة ابتداءً للأغراض المرادة، مما يعني غياب معايير السلامة في التصميم والإنشاء والموقع، ومدننا الكبرى مكتظة بزحام المركبات التي لم يتدرب أصحابها على كيفية تسهيل مرور سيارات الطوارئ، وظاهرة التجمهر والتدخل في الإنقاذ بعلم وبدون علم ماركة وطنية مسجلة، والتدريب على الإخلاء الوهمي في المباني الحكومية وغير الحكومية ثقافة ليس لها حظ من الشيوع، والتوعية بكيفية استعمال أدوات الإطفاء وكيفية التصرف أثناء الحريق لا حظّ له في المناهج الدراسية أو الدورات التدريبية الحكومية وغير الحكومية إلا ما رحم ربك.

من يتحمل المسؤولية إذاً ؟! هل هو جهاز الدفاع المدني الذي قصر في الوصول في الوقت المناسب وفي توعية المواطنين بأساليب التعامل مع الحرائق؟ أم وزارة التربية والتعليم التي صرّحت للمبنى، ولم تدرب منسوبيها على التعامل مع الحرائق؟ أم الأمانة التي لم توفر الأراضي المناسبة لإقامة المدارس الكافية وفي المواقع المناسبة، ولم تضع معايير السلامة اللازمة عند التصريح للبناء، ولم تقم بدور المراقبة؟ أم إدارة المرور التي لم تدرب قائدي المركبات على تسهيل حركة المرور في الحالات الطارئ؟ أم وزارة التخطيط التي لم تضع سلامة الإنسان ضمن أولوياتها التنموية؟ أم مالك المدرسة الذي لم يتقيد باشتراطات السلامة المطلوبة في المدرسة؟
من المحبط أن نكتشف أن منظومة من الأجهزة الحكومية مجتمعة هي السبب وراء مثل هذه الحوادث والفشل في إنقاذ الضحايا بسبب الإهمال والتقصير في بذل العناية المطلوبة منها، هذا إذا افترضنا عدم وجود المحسوبيات والمصالح الشخصية، وحينها تُصبح أداة المسائلة القانونية فاقدةً لجدواها، فالجاني ليس فرداً واحداً ولا جهازاً حكومياً واحداً بل هو منظومة إدارية متردية لا تضع مبادئ سلامة الإنسان وحمايته من الأخطار ضمن أولوياتها.
وحين تتفرق دماء الضحايا بين العديد من الأشخاص والهيئات تبدو محاولة التدخل القانونية– والتي غالباً ما تحاط بالتكتم والسرية في إجراءات الضبط والتحقيق والقضاء- شكلاً آخر من أشكال البيروقراطية التي تعمق هوة فقدان الثقة في أداء الأجهزة الحكومية ذات العلاقة.
والمعالجة الجذرية لهكذا مشكلات لا يمكن أن تتأتى بلجنة طارئة ولا توجيه عاجل ولا مسكنات مؤقتة، فالمسألة أكبر من قدرات أفراد مهما بلغوا من الحنكة الإدارية، ومالم تتم عملية إصلاحات جذرية في النظم الإدارية تعتمد على مبادئ المشاركة الجماعية في تحمل مسؤولية اتخاذ القرار والرقابة على تنفيذه ومحاسبة المقصرين، وتستند على قواعد الشفافية والمسائلة القانونية العادلة والناجزة فإن البيروقراطية والخلل الإداري سيظل جاثماً على صدر المجتمع، مقيداً حركة التقدم والنمو والتطور، وإذا أردنا ل”براعم الوطن” أن تزهر، ولثماره أن تينع فلا غنى عن بيئة طيبة لا مكان فيها لجذور الفساد وبذور المصالح الشخصية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.