منذ أن بدأت وتيرة الصوت في الارتفاع حين الحديث عن مشكلة البطالة وتبعياتها، وأصابع الاتهام لم تتوقف عن الإشارة إلى التعليم ومخرجاته كأحد الأسباب المؤديَّة إليها. وهو اتهام لا يمكن دحضه، ولكنه أيضا لا يمكن قبوله بهذه البساطة أو السطحية. ويعود ذلك إلى أن المبالغ الكبيرة التي صُرِفَت على التعليم، لو تمَّ صرفُها بطريقة مختلفة لأدَّت إلى تبوُّؤ نظامنا التعليمي مكانةً مرموقةً كالتي بلغها في بلدان نامية، لا تملك القدرة على صرف ولو جزء يسير مما تمَّ صرفُه هنا في بلادنا، إلَّا أنها أثبتت نفسها من خلال تميُّز خريجيها بقدراتهم العلمية والمهنية. وهو ما يؤكِّد أنه ليس بالمال وحده يمكن بلوغ مستوى التميُّز في التعليم، وإنما تكمُن وراء ذلك مقومات أخرى، يدخل ضمنها ماهية الفلسفة والرؤى التي يدار بها التعليم نفسه؛ تواصل المؤسسات التعليمية مع بقية الفعاليات الرسمية والاجتماعية القائمة على أسس وخطط شراكة وتعاون لتحقيق أهداف وطنية محدَّدة متفق عليها، وتحت مظلة من سيادة الحريات العامة بما فيها حرية العمل الأكاديمي والفكري. ولا عجب أن نرى بعض جامعاتنا ليست بتلك الكفاءة التي تجعل خريجيها منافسين أشدَّاء في سوق العمل المحلي، يفرضون أنفسهم على القطاع الخاص لشغر الوظائف والأعمال، التي يقوم بها وينفذها غيرهم من غير السعوديين. أما حينما نقارن بين عدد كليات العلوم النظرية بكليات العلوم التطبيقية وقدراتهم الاستيعابية في كل جامعة وخاصة الجامعات الجديدة، فسنجد أن كفَّة الأولى تتفوق على الثانية بشكل ملحوظ، وأن جزءا كبيراً من ميزانيات بعض الجامعات تذهب للصرف على هذه الكليات التي لا تقدِّم لسوق العمل ما يحتاجه فعلاً من موارد بشرية. بل إن ميزانية جامعة البترول والمعادن تبلغ نصف ميزانية جامعات، أغلبية خريجيها بعيدين كلَّ البعد عن تلبية حاجة السوق. وقد بانت هذه الصورة بشكل واضح أثناء تنفيذ برامج وزارة العمل الساعية من ورائها إلى تقليل عدد العاطلين السعوديين، ذلك أن نسبة كبيرة من المتقدِّمات للعمل هن خريجات كليات التربية والآداب اللاتي لا يملكن القدرة غير العمل في سلك التعليم المدرسي فقط، وليس للقيام بأعمال أخرى. ولكي يستطعن العمل في مجال آخر، فذاك يتطلب إعادة تأهيل وتدريب خاص؛ لا يجد القطاع الخاص نفسه مسؤولا عنه. وإذا كنا قادرين على استيعاب الموقف الآن بحلول ترقيعية، فذلك لن يكون مجديَّاً في المستقبل حين يتخرَّج الآلاف من هؤلاء الذين هم الآن على كراسي الدراسة. وسيشكِّلُ العائدون من برناج الابتعاث الخرجي وهم أيضا بالآلاف، (متخرجين من أرقى الجامعات، مما يبعد عنهم تهمة عدم التأهل)، عامل ضغظ من نوع آخر، حيث بدأ البعض منهم انضمامه الى طابور البحث عن عمل يتفق مع تخصصه وبالأجر المناسب. هل ندع الأمر يسير كما هو عليه الآن؟ ونغضُّ النظرعن تفاقمه أم يجب التدخُّل، وإيقاف هذا الهدر ووضع خطط جديدة لمعالجة هذا الوضع البائس!