تحاول بغداد إقناع شركات الأقمار الصناعية بوقف خدمات الإنترنت في مناطق سيطرة «داعش». والهدف توجيه ضربةٍ كبرى لآلة دعايةٍ قويةٍ يستخدمها التنظيم الإرهابي في حضِّ أنصاره على القتال. لكن المهمة معقدة. وتعمل وسائل تواصلٍ اجتماعي مثل «تويتر» و«تلجرام» على الحدِّ من أنشطة التطرف عبر الإنترنت. وحتى الآن؛ ثبتَ أن هذا التحجيم أشبه بلعبة القط والفأر. فبعد إغلاق حساباتهم؛ يعاود المتطرفون الظهور من خلال حساباتٍ أخرى، وينشرون مشاهد فيديو تُظهِر عمليات قطعٍ لرؤوس وتُبرِز طبيعة العيش في مناطق سيطرتهم. وبالنسبة للعراق؛ فإن الغرض الأساسي منعُ «داعش» من الاتصال بالإنترنت على الإطلاق والقضاء على جانبٍ مهم في حملات الدعاية التي تقف وراء هجماتٍ قاتلةٍ في الغرب. ولا تعمل شبكات الهواتف المحمولة إلى حدٍّ كبيرٍ في المناطق العراقية الخاضعة لسيطرة التنظيم. وتوجد في هذه المناطق بنيةٌ أساسيةٌ محدودةٌ لخدمة الإنترنت السريعة عبر الخطوط الأرضية. ووفقاً ل 3 مصادر في صناعة الاتصالات؛ يستخدم المتشددون بدلاً من ذلك أطباق الاتصال بالأقمار الصناعية للاستفادة من الإنترنت أو أطباق موجات المايكروويف متناهية الصغر الممنوع استخدامها. وترتبط أطباق المايكروويف بشبكات الإنترنت السريعة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. وتبدو التحديات كثيرة أمام السلطات العراقية، إذ لا يوجد طرفٌ يمكنه التعرف على المستخدم النهائي لخدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. كما أن شبكة الوسطاء المعقدة تحول دون تحديد الطرف الذي يبيع الخدمة للمتشددين. ويسيطر «داعش» على مناطق في غرب العراق وشمال ووسط سوريا تضم 5 ملايين شخص معظمهم عراقيون، وفقاً لتقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. وتتغير حدود هذه الأراضي باستمرار نتيجةً للمعارك. وكل المطلوب للاتصال بالإنترنت عبر قمرٍ صناعي جهازٌ طرفي يعمل بنظام «في- سات» وطبقٌ صغيرٌ للاستقبال وجهاز «مودم» فضلاً عن اشتراك. وأكد مسؤولٌ في وزارة الاتصالات العراقية استخدام الإرهابيين نظام «في- سات» في مناطق سيطرتهم. وأقرَّ بقوله «الأمر الذي مازال صعباً علينا هو التحكم في أجهزة الاستقبال التي تعمل وفق هذا النظام وتتصل مباشرةً بالأقمار الصناعية التي تقدم خدمات الإنترنت وتغطي البلاد». وفي مدينة الموصل «شمال العراق» التي باتت معقلاً ل «داعش»؛ يمكن شراء وحدات «في- سات» بما يتراوح بين 2000 و3000 دولار من سوقٍ ضخمةٍ للإلكترونيات قرب الجامعة. وكشف المسؤول في وزارة الاتصالات عن إجراء محادثاتٍ مع شركات الأقمار الصناعية التي تغطي البلاد لوقف تزويد مناطق سيطرة التنظيم بخدمات الإنترنت. وأفاد ب «تلقي مؤشرات إيجابية من الشركات»، متداركاً «العملية معقدة وتتطلب مزيداً من الوقت والتدابير». ووفقاً له؛ تعدُّ «ياه سات» المملوكة لأبوظبي الشركة الوحيدة التي أبدت استعدادها حتى الآن «للتعاون مع طلب الوزارة». وتملك الشركة أقماراً صناعية وتوفِّر إمكانية الاتصال بالإنترنت للمستخدم النهائي من خلال خدمة «ياه كليك» للإنترنت السريع. وفي إثباتٍ للمهمة المعقدة؛ تعقَّبت «رويترز» عنوان بروتوكول الإنترنت لمقاتلٍ متطرف في الرقة السورية، ما أظهر استفادته من خدمة «ياه كليك». ورفضت «ياه سات» التعقيب مباشرةً على سؤالٍ عمَّا إذا كان التنظيم الإرهابي يستفيد من خدماتها. لكنها شددت على التزامها بكل القوانين واللوائح السارية، علماً أنها لا تعمل رسمياً في سوريا. وتعتمد الشركة، وهي من بين كبرى شركات خدمة الإنترنت بالأقمار الصناعية في العراق، على وكلاء محليين في بيع الخدمة. وهي تسجل على موقعها الإلكتروني بيانات 3 وكلاء عراقيين، لكن شركات أخرى تبيع الخدمة أيضاً هناك. وعلَّق مصدرٌ ثانٍ في صناعة الاتصالات بقوله «أي أحدٍ يمكن أن يعيد بيع الخدمة، فالمسألة غير منظمة، وتجار الجملة يرغبون على الأرجح في إبقاء الأمر على هذا النحو». وطلب المصدر عدم نشر اسمه نظراً لعدم السماح له بالحديث لوسائل الإعلام. وتغطي شركات تملك أقماراً صناعية مثل «أفانتي» البريطانية و»يوتل سات» الفرنسية و»ياه سات» معظم أنحاء الشرق الأوسط. وهي تبيع سعاتٍ لشركاتٍ أخرى مثل «وفا» للنظم الفنية في أبوظبي و»بنتلي ووكر» في بريطانيا. وتُستغلُّ تلك السعات في بيع خدمات ومعدات للشركات والمستهلكين من الأفراد. ومثل «ياه سات»؛ تعتمد الشركات المشترية من مالكي الأقمار الصناعية على شركاء محليين لتوزيع منتجاتها وبيعها. وذكَّر متحدثٌ باسم «أفانتي» بأن «كل الشركات التي تُشغِّل أقماراً اصطناعية لا تحتفظ بتفاصيل الهوية أو الموقع الدقيق لزبائنها من المستخدمين النهائيين». ولفت إلى التزام شركته بكل القوانين واللوائح السارية في الأسواق التي تعمل فيها. وتحدِّد وحدات «في- سات»، التي يمكن نقلها من مكانٍ إلى آخر، موقعها، لذا يمكن تعقبها. لكن لا يبدو أن أي طرف من أطراف هذه الصناعة مستعدّاً لتولي مسؤولية التحقق من هوية المستخدمين. وتقول شركة «وفا» ومنافستها «بنتلي ووكر»، اللتان تشتريان سعاتٍ من قدرات الأقمار الاصطناعية وتبيعان وحدات «في-سات»، إنهما لا تعلمان شيئاً عن المستخدم النهائي لخدماتهما. وتحدثت «وفا»، التي لها نحو 2500 وحدة «في-سات» في العراق، عن إمكانية توصيل خدماتها إلى أي مدينة بما فيها الموصل. وأوضح مساعد المدير في الشركة، كمال أرجنداس، أن «القائمين بإعادة البيع هم من يعرفون العملاء وأين يوجد المستخدمون النهائيون». وأشار مدير المبيعات في «بنتلي ووكر»، نيل ديناير، إلى توفر إمكانية لدى عملاء الشركة لاستخدام خدماتها حتى إذا كانت وحدات «في-سات» في منطقة خارج سيطرة السلطات الرسمية. وفي يوليو الماضي؛ أبلغت الشركة عن تغطية خدمتها أكثر من 1500 موقع في شمال العراق. وتعرِّف «بنتلي ووكر» نفسها على أنها أكبر شركة في أوروبا لإعادة بيع معدات الاتصال بالإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية. وهي تبيع خدمتها بالاسم التجاري «فريدم سات» وخدمات شركات أخرى مثل «ياه كليك». وامتنع ديناير عن تحديد هويات الشركاء العراقيين لشركته استناداً لمخاوف سياسية وتجارية، كما لم يردّ فيما بعد عندما سئل عما إذا كان «داعش» يستخدم منتجات الشركة وخدماتها. وامتنع أرجنداس من «وفا» أيضاً عن تحديد هويات الشركاء العراقيين لشركته، ولم يردّ عندما سئل عن التنظيم. وحتى إذا استطاعت بغداد قطع خدمات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية عن الإرهابيين؛ يمكن أن يظل تنظيمهم متصلاً بالإنترنت من خلال شبكات غير قانونية أنشأها رجال أعمال في مدن مثل كركوك وإربيل ودهوك. وذكرت المصادر الثلاثة في صناعة الاتصالات أن رجال الأعمال هؤلاء يشترون سعات لنقل البيانات من الشركات التي تقدم خدمة الإنترنت السريع عن طريق الخطوط الثابتة. وتمر هذه الصفقات عبر عديد من الوسطاء. ويربط الوسطاء هذه الخدمة بأطباق المايكروويف التي يبلغ مداها حوالى 40 كيلومتراً من أجل توصيلها للمستخدمين النهائيين في مناطق خارج سيطرة السلطات. وبيَّن المصدر الثالث «المسألة كلها قفزتان فقط عبر أطباق المايكروويف إلى الموصل». وأقرَّ «فرصة رصد نشاطهم ضئيلة للغاية، إذا أمكنك شراء قدر معين من السعة مقابل 100 دولار في إربيل وبيعه بمبلغ 500 دولار فهذه صفقة جيدة». ومنعت حكومتا بغداد وأربيل بيع سعات الإنترنت التي يمكن أن تصل في نهاية الأمر لأيدي المتشددين، لكن من الصعب تطبيق ذلك على أرض الواقع. وتوجد أطباق مايكروويف كثيرة تشير إلى كل الاتجاهات في العراق. ومن الصعب التحقق من المستخدم بسبب ضخامة الشبكات التي تتيح خدمات الإنترنت للاستخدامات المدنية للمنازل والشركات. وعلَّق المصدر الأول «إذا أغلقتَ واحدةً من هذه الشركات فإنها تعاود الظهور متخفيةً تحت مسمى آخر في غضون بضعة أيام، ومن الصعب جداً التعرف عليها». ولاحظ المصدر الثالث أن التعرف على هذه الشركات «سيتطلب موارد ضخمة ومعرفة وكفاءة ليست لدى بغداد أو حكومة إقليم كردستان». بدوره؛ تحدث رافاييلو بانتوتشي، من المعهد الملكي المتحد للخدمات في بريطانيا، عن «مأزق أخلاقي يتمثل فيما إذا كان ينبغي حرمان المناطق الخاضعة لسيطرة التنظيم الإرهابي من خدمات الإنترنت وبالتالي عزل المدنيين الذين يعيشون في هذه المناطق». وسبق لبعض المدنيين استخدام الإنترنت في نقل ما يعانونه من انتهاكات. وتساءل بانتوتشي عمَّا إذا كان قطع الاتصالات سيعطل عمليات التنظيم بصفة رئيسة «أم إنه لن يفعل شيئاً في الغالب سوى جعل حياة الناس الذين يعيشون في ظله أكثر صعوبة».