ناقل الحطب المحلي في قبضة الأمن    بقيمة 143 مليار ريال.. 454 فرصة مطورة بالقطاعات الصناعية    2.3 % معدل التضخم    نيابةً عن سمو أمير منطقة الباحة.. وكيل الإمارة للشؤون الأمنية يرعى حفل ملتقى الباحة للحرفيين ويدشّن مبادرة "تجربة السائح" ضمن مهرجان صيف الباحة 2025    «الغباء الاصطناعي» يكلف أسترالية 50 ألف دولار    مصر تثمن جهود ترمب لحل أزمة سد النهضة    بعد انسحاب حليف رئيسي.. حكومة نتنياهو تواجه «اختبار البقاء»    نادي النجم الأزرق.. قصة نجاح في "الرابعة"    الهلال يفاوض"نونيز" بطلب من إنزاغي    أبرز سلبيات مونديال الأندية..المقاعد الفارغة ودرجات الحرارة وغياب أبطال أوروبا    يسرق بطاقات بوكيمون ب 113 ألف دولار    "فلكية جدة": درب التبانة يزين ليالي الصيف    وافق على تنظيم مركز الإحالات الطبية.. مجلس الوزراء: تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر ل3 سنوات    كريم عبد العزيز أول بطل ل 4 أفلام بنادي ال «100 مليون»    المفتي يستعرض جهود "النور" في تحفيظ القرآن    إغلاق منشأة تداولت منتجات تجميلية متلاعباً بصلاحيتها    وجهة عالمية    8 منتخبات إقليمية تتنافس في النسخة الثانية من بطولة تحت 13 عاماً بالطائف    تحرك في الهلال لضم لاعب الدوري الإنجليزي    بيريز يرحب بعودة كاريراس للملكي    ألفاظ شعرية تخالف العقل والعادة    المملكة والرّيادة الدولية في صِناعَة السَّلام    إحالة منشأة تلاعبت بتواريخ الصلاحية إلى النيابة    ختام الأسبوع الثقافي السعودي في اليابان..    مجازر في الشاطئ وغزة بقصف إسرائيلي    ترمب يُمهل روسيا 50 يومًا لإنهاء حرب أوكرانيا    أمانة حائل تنظم ورشة عمل حول الاقتصاد الدائري في قطاع النفايات    التشكيل والتراث المحلي في معرض «ألوان الباحة»    برازيلي عميدا لمدربي روشن و56 % مستقرون    نائب وزير الخارجية والمفوض الأوروبي للشؤون الداخلية والهجرة يبحثان العلاقات الثنائية    الأمير سعود بن نهار يطّلع على التقرير الشامل لأداء إدارة تعليم الطائف خلال عام 2025    التعاون الدولي بوابة لتعزيز المحتوى المحلي السعودي    أمير تبوك يطمئن على صحة الشيخ عون أبو طقيقه    القبض على باكستانيين في بحرة لترويجهما «الشبو»    ضبط 12 وافدًا لممارستهم الدعارة في شقة سكنية بنجران    هيئة التراث بجازان تستعرض جهودها في حفظ الإرث الثقافي خلال زيارة إعلامية    ترامب: أسعار المستهلكين منخفضة ويتعين خفض أسعار الفائدة    أمير حائل يتسلّم الرئاسة الفخرية لجمعية "ذرية للإنجاب"    مبادرة وطنية تُبصر الأمل: "عيناي" ينقذ آلاف المرضى من مضاعفات السكري    التنوع الثقافي يصنع قرارات أقوى ومؤسسات أذكى    سيرة من ذاكرة جازان.. الدكتور علي محمد عواجي العريشي    مجلس الوزراء: تمديد العمل ببرنامج الرهن الميسر لمدة 3 سنوات    محافظ أبو عريش يرأس اجتماع المجلس المحلي لبحث الاستعدادات لموسم الأمطار    مفتي عام المملكة يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية النور لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الباحة    ميتا» تخطط لتطوير ذكاء اصطناعي فائق يتجاوز قدرات العقل البشري    أشرف عبد الباقي يصور«السادة الأفاضل»    مريضة سرطان تفتتح مقهى لتوظيف أصحاب الهمم    عزت رئيس نيجيريا في وفاة الرئيس السابق محمد بخاري.. القيادة تهنئ رئيس فرنسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    اليابان وأوروبا تطوران شبكة أقمار صناعية    سماعات الرأس تهدد سمع الشباب    نصائح طبية لتقليل التعرق    محمد بن عبدالرحمن يستقبل نائب أمير جازان وسفير عمان    لتعريف الزوار ب«الأثرية».. جولات إثرائية لإبراز المواقع التاريخية بمكة    تدشين الخطة الإستراتيجية "المطورة" لرابطة العالم الإسلامي    أمير الشرقية يستقبل سفير جورجيا    فيصل بن مشعل يتسلّم تقرير مزادات الإبل وفعاليات يوم التأسيس في ضرية    أمير منطقة جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على الشثري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مرة أخرى: هل يمكن فصل الدين عن السياسة؟
نشر في الشرق يوم 14 - 02 - 2012

منذ فوز الإسلاميين بالانتخابات في تونس أولاً، ثم في المغرب ومصر، وأخيراً في الكويت، عاد الجدل حول العلاقة بين الدين والسياسة ليحتل صدارة وسائل الإعلام المحلية والعالمية، كما تصدرت هذه الإشكالية أغلب الندوات التي تنظمها مراكز البحث والمؤسسات الثقافية والسياسية في مختلف القارات. والسؤال الذي يتكرر في هذا السياق: هل يمكن فصل الدين عن الخطاب السياسي في الإسلام؟
التداخل بين الخطاب الديني والخطاب السياسي ليس ظاهرة جديدة أو مفاجئة، خاصة داخل المجتمعات الإسلامية.
إنها مسألة تاريخية عرفتها هذه المجتمعات منذ عهد بعيد، وتحديداً منذ أن أصبح للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) أتباع، ومجتمع تقوده سلطة روحية وسياسية.
بعد تلك المرحلة التأسيسية، لم تنفصل السياسة عن الدين مطلقاً، سواء بالنسبة للحكام والشرائح المهيمنة، أو بالنسبة لمختلف المعارضة التي نشأت في مختلف الحقب التاريخية، التي كانت ولاتزال تدرك أن وصولها إلى افتكاك السلطة لن يتحقق إلا إذا استندت في خطابها على «شرعية دينية». ويكفي أن هذه التيارات السياسية كانت تصنف وفق مقاييس دينية. فهي فرق، والفرقة مدرسة دينية، لها أصولها التي تحدد رؤيتها، سواء لمختلف الجوانب المتعلقة بالنصوص المرجعية (قرآن وسنة)، أو لأبرز الأحداث التي حفت بمرحلة التأسيس، وفي مقدمتها الفتنة الكبرى. وعلى أساس ذلك، تبلورت المواقف والأهداف السياسية.
والخلاف الذي دار بين المختصين في هذا الشأن، كان ولا يزال يدور حول السؤال الآتي: هل المواقف الدينية هي التي مهدت للمواقف السياسية، أم أن التموقع السياسي هو الذي كيّف المواقف الدينية؟
تلك هي إحدى خصائص التجربة التاريخية للأمة في الحقل السياسي. ولم يقتصر ذلك على التنظيمات السياسية ذات التوجه الإسلامي، بل حتى القيادات العلمانية وجدت نفسها مضطرة لاتباع المنهجية ذاتها. وتكفي الإشارة في هذا السياق إلى بعض النماذج، مثل الرئيس جمال عبدالناصر، الذي كان خطابه يرتكز على بعد إسلامي واضح، خاصة بعد معركته الشرسة التي قادها ضد الإخوان المسلمين.
وفي تونس كان الزعيم الحبيب بورقيبة كثير الحرص على الاستشهاد بآية قرآنية أو بحديث نبوي؛ لإضفاء مزيد من الشرعية على خطابه السياسي، رغم خلفيته العلمانية الواضحة.
وبما أن السيد الباجي قايد السبسي، الوزير الأول السابق الذي قاد المرحلة السابقة، قد بقي متقمصاً باستمرار لشخصية بورقيبة، نراه أيضاً يستحضر باستمرار النص القرآني لدعم مواقفه السياسية.
اليوم أصبحنا أكثر إدراكاً للتعقيدات التي يمكن أن تنجر عن إسقاط الاعتبارات الدينية على القضايا الخلافية في الصراعات السياسية.
ولكن المشكلة لا تكمن في آليات استحضار النص الديني، ولكن في كيفية تنزيل النص على الواقعة أو المسألة المطلوبة. فرجل السياسة الذي لا يحسن اختيار النص المناسب ويسقطه على الواقعة غير المناسبة، يجد نفسه بعيداً عن الهدف، ويعرض مصداقيته للاهتزاز.
وهذا ما حصل على سبيل المثال مع الأستاذ الصادق شورو، عضو المجلس التأسيسي في تونس، وأحد قادة حركة النهضة، الذي رغم معاناته الطويلة والمؤلمة في سجون بن علي، حيث قضى فيها قرابة العشرين عاماً، إلا أنه أخطأ المرمى عندما رأى أن آية الحرابة يمكن أن تنطبق على مسألة اجتماعية مرتبطة بالواقع الاقتصادي والسياسي الراهن، وتخص موجة الاعتصامات التي تفشت خلال الفترة الأخيرة في معظم أنحاء البلاد، ورأت فيها حكومة الجبالي تهديداً للدولة، وتحريضاً من قِبل جهات معادية لحركة النهضة.
لقد أراد الشيخ شورو -الذي أثارت تصريحاته ردود فعل عاصفة في تونس- أن يعالج مسألة مستحدثة لم يعرفها التاريخ الإسلامي، التي تتمثل في اللجوء إلى الإضراب والاعتصام من أجل المطالبة بحقوق أساسية مثل الشغل والكرامة، وذلك بالاستناد على عقوبة استعملت في سياق تاريخي له خصوصياته، تم اللجوء إليها في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أجل وضع حد للعصابات التي كانت تقطع الطرق، وتربك استقرار وأمن الدولة الناشئة.
وبين العهدين والمرحلتين اختلافات جوهرية.
حتى تتضح الصورة، لو استشهد السيد شورو بنص آخر يدعو إلى الترفق بالمهمشين والعمل على الأخذ بأيديهم وإقناعهم بالحسنى، لكان الانطباع العام مختلفاً تماماً.
بل لعدّ ذلك دليلاً على الحكمة، وإدراكاً لطبيعة المرحلة.
وهنا يجب أن نشير إلى أن تنزيل النص المناسب على الواقعة المناسبة يتطلب وعياً من صاحبه بأهمية الأخذ بالمنهج المقاصدي في التفسير، وكذلك إلمام عميق بخصوصيات الواقع وحاجات الناس.
فالمنهج المقاصدي هو طريقة في استنباط الأحكام تميز بين ما جاء به النص وما جاء من أجله.
وشتان بين الأمرين. ففي كثير من الأحيان يؤدي تنفيذ ما ورد في النص بشكل حرفي إلى نتائج عكسية، وأحياناً كارثية.
أي كمن ينظر إلى الإصبع بدل أن ينظر إلى ما يشير إليه الإصبع، حسب رأي الجاحظ. أما الشرط الثاني لهذه المعادلة فهو العلم بالواقع، أي بالتاريخ والاقتصاد والاجتماع والسياسة؛ لأنه بدون ذلك يقع المجتمع في فتنة الجهل بخصوصيات المرحلة وبالتحولات التاريخية.
أي أن يكون الدين في خدمة الناس، وليس أن يكون الناس في خدمة نصوص دينية مجتزأة عن سياقاتها وأغراضها، يتم اقتطاعها لتحقيق سياسات مهزوزة وفاشلة، أو لتغطية أوضاع قائمة على الظلم والاستبداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.