صدر عن مؤسّسة الفكر العربي في بيروت كتاب جديد بعنوان «التعليم الجديد في الصين»، وذلك ضمن سلسلة «حضارة واحدة»، وهي عبارة عن كتب تُصدرها المؤسّسة، وتُعنى بترجمة أمّهات الكتب الفكرية نقلاً عن لغات العالم الحيّة، بهدف انفتاح الفكر العربي على النتاج الفكري العالمي، وانطلاقاً من اهتمام المؤسّسة بمختلف المعارف والعلوم ذات الأهداف والمواضيع المتنوّعة، لإفادة أوسع شريحة من القرّاء في الوطن العربي.يضم الكتاب ثلاثة عشر فصلاً، يعرض فيها المؤلّف «تشو يونغ شين» نظرية تربوية، غايتها الأساسية بناء حياة تعليمية جيدة تستند إلى المُثل العليا، انطلاقاً من أن إنجازات الإنسان لا تكون عظيمة، إلا إذا كانت تحفّزها مُثُلٌ سامية. فالتعليم الجديد بحسب المؤلّف هو مشروع لنشر المُثل، ومشروع بناء الإنسان قبل أيّ شيء آخر عبر المُثل، كي لا تكون حياته حائرة وغير فعّالة، وحياة جهل وغباء، إنه مشروع يطمح لأن تكون الحياة التعليمية حياة سعيدة، وإلّا فقَدَ التعليم معناه وضرورته.لقد فتحت هذه النظرية الباب أمام تفاعل بنّاء بين تجربة التعليم الجديد العملية، وبين نظرية المثل العليا في التعليم. إنها تجربة تستبطن الخصوصية الثقافية الصينية، التاريخية والحضارية، وتتضمن تعاليم فيلسوف الصين كونفوشيوس، القائل إن الإنسان الفاضل هو من يفضّل الأخلاق على المال، وأن تحقيق المساواة أهمّ من الاهتمام بنقص المؤن. كما أن تجربة التعليم هذه لم تخفِ إفادتها من النظريات التربوية الغربية، خصوصاً تلك التوّاقة إلى بناء الإنسان بناءً متكاملاً متوازناً، يوائم بين أبعاده الروحية والعقلية والمادية كافة. يُبرز الكتاب تراجع الاهتمام بالمثل العليا الأخلاقية إلى المقام الثاني، إذ أصبح همّ التربية والتعليم السوق الاقتصادية، وربط قطار التعليم بقاطرة الاقتصاد، وتحقيق أكبر قدر من الأرباح بأقلّ مقدار من الوقت. ويستعرض الكتاب نوعاً آخراً من التعليم لا يقلّ أهميّة عن تعليم القراءة والحساب، ويشكّل حلقات متداخلة في تجربة التعليم الجديد في الصين أيضاً، ليس أقلّها الطبيعة والفنون والكتابة، خصوصاً كتابة اليوميات وغيرها كثيراً من الأمور، التي تغني الحياة الروحيّة للتلامذة. ففي المدارس الصينية الجديدة مثلاً، مدارس تجربة التعليم الجديد، «تضوع الروح الفنّية في كلّ تلميذ، فبعضهم يعزف على آلة موسيقية، ويبرع آخرون في فنّ الخط، أو في الرقص، أو في الرسم». لا تبالي تجربة التعليم الجديد بدرجات الامتحان بقدر اهتمامها بأصول السلوك الشخصي والأخلاق، من أجل رسالة التعليم المتمثّلة في تشكيل الطبيعة الإنسانية الحميدة، وبناء مجتمع فاضل.