فيودر كونيوخوف روسي من مواليد عام 1951 على شواطئ بحر أوزوف في أسرة لها علاقة وطيدة بالبحار والصيد .حائز على العديد من شهادات التقدير العالمية والجوائز بما في ذلك من اليونيسكو، فنان مشهور له أكثر من ثلاثة آلاف لوحة ورسوم تعبيرية للكتب والمجلات التخصصية وهو أيضا عضو في اتحاد الكتاب الروس له تسعة كتب مطبوعة وترجم بعضها إلى عدد من اللغات الأجنبية ومع ذلك فإن شهرته الرئيسية جاءت من خلال إنجازاته ومغامراته المدهشة في ترحاله حول العالم عدة مرات حتى باتوا يسمونه الرحالة الأسطورة بعد أن قطع المحيط الأطلسي بزورق ذي مجدافين وحيدا خلال شهر ونصف الشهر.. هذا ناهيك عن نشاطات وبعثات علمية متنوعة بما في ذلك إلى القطبين الشمالي والجنوبي .. ٭ «الرياض» : من البديهي أن حواراً صحفياً لن يكفي لتقديم صورة شافية عن تجربة غنية كهذه .. لقد اطلعت على العديد من المجلات والحوارات بما في ذلك بعض الريبورتاجات التلفزيونية الشيقة بالفعل عن رحلاتك من هنا بودي أن أسألك بداية عن استقرائك أنت لهذه التجربة الحياتية الفريدة هل أضعت العمر بحثا عن سراب إلى ما ذا توصلت بعد مئات الأسفار ومصارعة الأخطار والبعض يقول ان التلفاز اليوم يتيح التواصل مع العالم كله وأنت في منزلك - ما رأيك؟ - فيودر : لعله السؤال الأهم إنني في هذه الأسفار أجد العزاء الروحي والفيض الجمالي فأنا لا أسافر مستجما أو سائحا من هنا فإن لكل رحلة غناها باكتشافاتها ومعايشاتها بشكل مباشر. التقنية الحديثة والاتصالات اليوم جعلت العالم قرية صغيرة تنتقل عبر قنوات التلفاز من مكان إلى آخر من أقصى الأرض إلى أقصاها المقابل عبر جهاز التحكم الرقمي لكن الأمر مختلف جذريا تماما في الرحلات حول العالم بنفسك إنه مغاير لدرجة مذهلة وخاصة في غنى التجربة الإنسانية وصفاء الروح والتأمل جميع حواسك وذهنك وروحك تتفاعل وليس مجرد النظر نحو مشاهد تدرك مسبقا أنها تأتي عبر التلفاز وتقدم ما يريد المخرج والمصور.. كمثال بسيط أقول لك: معايشة العالم عبر مشاهد التلفاز شبيه بمردوده بجائع ينظر مليا إلى صورة مائدة فاخرة بينما الرحالة يطهو في العراء أو يشوي على نار موقد متأجج قطعة من لحم الضان ويلتهمها بشهية .. ٭ «الرياض» : لقد شاهدت في بعض الأفلام عنك لقطات مثيرة عن مواجهتك للصقيع والرياح والأمواج العاتية كيف كنت تواجه كل تلك المخاطر وأنت وحدك وما هي أخطر الحالات التي مررت بها ؟ - فيودر : في مثل هذه الحالات تنصقل التجربة الإنسانية فأنا ما زلت أبحث عن سر الحياة والعلاقة مع الطبيعة وفي كل مرة سواء عندما كنت في قمة إيفرست أو في القطب الشمالي أو الجنوبي حيث يختصر الزمن أو في عمق البحار لم يفارقني هذا التساؤل بل دفعتني المخاطر للتأمل أكثر فأكثر .. بهذا المعنى على الرحالة الحقيقي أن يتسلح بروح مرنة وصبورة ومؤمنة بأن الخالق لن يتخلى عنك ثم يأتي بعد ذلك الجهد والجلد الجسدي .. لقد قابلت في سيبيريا الدببة البيضاء وهي الأكثر شراسة وواجهتني الذئاب الجائعة المتوحشة عاركت الأمواج وعاركتني والأخطر هو نفاد المؤن وكثيرا ما نجوت بأعجوبة وبلطف من الله ولعل أخطر ما عايشته هو انقلاب سفينتي إبان عاصفة في المياه الباردة وأنا قريب من القطب الجنوبي فمن مشقات الرحلات البحرية المديدة أنك مضطر دائما لمعالجة التوازن إبان الأمواج العاتية وفي هذه الزوارق المخصصة لمثل تلك الإبحارات ثقل إضافي خاص يوضع في السفينية لتملك توازنها بحيث لا تغرق حتى لو انقلبت وهذا ما حدث وقد بقيت عدة أيام في عرض المحيط لا أستطيع تعديل زورقي ولا أستطيع الإبحار حتى أنقذتني بعد هدوء العاصفة فرقة أسترالية التقطت إشارتي آنذاك شعرت خلال ثلاثة أيام عصيبة بأشباح وحوش أخرى أخطر بكثير من الدببة والذئاب أو القرش.. إنها وحوش الفراغ والمدى والصقيع والإحساس بالضآلة في مواجهة اللانهاية. ٭ «الرياض» : لوحاتك تشير إلى وجود بصمات خاصة وتقنية عالية وليست نتاج ريشة هاو محب للرسم ..؟؟ - فيودر : أنا عضو في نقابة الفنانين منذ زمن طويل وقد درست الفنون الجميلة في باريس وشاركت في عشرات المعارض ومع ذلك أود أن أقول أن الخبرة الفنية التقنية تصقل أسلوب الفنان ولكنها لا تصنعه من هنا أقف معجبا ومدهوشا في كثير من الأحيان أمام لوحات من نسميهم هواة ٭ «الرياض» : القيام برحلات مديدة بما في ذلك نحو القطبين او حول العالم تحتاج إلى رعاية وتمويل وحتى نفقات ومتابعة من المؤسسات المختصة والدولية كيف كنت تؤمن ذلك ؟ - فيودر : نعم لقد تلقيت دعما من كبار المسؤولين في مختلف أنحاء العالم بمن فيهم رئيس الوزراء الأسترالي السابق بوب هوك ومول رحلتي الأولى حول العالم المليونير ديك سميث حيث استمرت الرحلة قرابة 220 يوما انطلقت من سيدني واختتمت رحلتي بالوصول إليها .. في الرحلات الجماعية التي تنظم كبعثات علمية أو استطلاعية رياضية أو اختبارية كثيرا ما نقوم بجمع تمويلات متنوعة المصادر نساهم ببعضها وتدعمنا المؤسسات المختصة والدولية وخاصة من الولاياتالمتحدة والدول الأوربية . ٭ «الرياض» : ما هو أجمل ما عايشته في قطعك مئات آلاف الكيلومترات برا وبحرا وهل يتطابق مع حلمك ؟ - فيودر : الأجمل هو الآتي إن شاء الله وحلمي هو أن أعبر صحراء شبه الجزيرة العربية على الجمال هذا يرتسم في مخيلتي ولا يفارقني في الآونة الأخيرة وسأكون شاكرا لو استطعت أن تؤمن لي بعض الكتب عن حياة البدو والصحراء العربية لأطلع عليها استعدادا لمثل هذه الرحلة الحلم ربما أوفق ذات يوم في تحقيقه وخاصة الربع الخالي فالصحارى كثيرة في العالم لكن صحراء شبه الجزيرة شيء آخر هناك حيث تمتزج الأسطورة بالواقع .. ٭ «الرياض» : إبان رحلاتك حول العالم ألم تزر المملكة العربية السعودية ؟ - فيودر : بلى نزلت في ميناء جدة حيث كان تطوافي حول الأرض بحريا بعد أن عبرت بنما والسويس .. وأذهلني الأخوة السعوديون بمعاملتهم الراقية حتى أن بعضهم أخذني في رحلة بسيارات الجيب وشارفنا السهوب التي تتواصل بالصحراء ومنذ ذاك الحين وانا أحلم بتحقيق عبور صحراء شبه الجزيرة .. وإذا سمحتم لي أن أستغل منبر (الرياض) لأوجه التحية للشعب السعودي ونداء للأمراء الذين يمكن لأحدهم أو بعضهم أن يهتم بتحقيق مثل هذه الرحلة وبشكل خاص صاحب السمو الأمير سلطان بن فهد فقد سمعت أنه المشرف على رعاية الشباب والرياضة آمل أن تثبت هذا النداء في حوارنا هذا .. فالحلم آخر ما يموت .. ٭ «الرياض» : وماذا ستقدم لك الصحراء وهي رمال وكثبان عدا عن مخاطرها الهائلة في الجزيرة العربية وخاصة الربع الخالي والرمال المتحركة ؟ - فيودر : إنني أكتب عن رحلاتي وقد أصدرت حتى الآن تسعة كتب عن مشاهداتي وانطباعاتي ومعطيات الواقع والتاريخ وستكون شهادتي عن العالم ناقصة إن لم أدون هذه الانطباعات والمشاهدات في صحراء شبه الجزيرة العربية بعض معلوماتي المتواضعة تشير إلى أنها ليست فقط مهبط الوحي بل وهي موئل الإنسان البشري الأول ولا شك أنها غنية بتقاليد وحضارات وحكايا اندثر معظمها ولكن لا شك أن بعض آثارها موجودة ناهيك عن أن عبورا كهذا للصحراء هو استعادة رؤيوية لنشاطات بشرية كانت تجري قبل آلاف السنين أو حتى قبل قرون إنه استنطاق وتفاعل مع الطبيعة من جديد ولكن المسؤولين في المملكة - إن تحقق هذا الحلم - هم القادرون على تحديد المسار وطبيعته أفضل مني كل ما أحتاجه هو دليل وبضعة جمال تحمل ما تحتاجه هذه الرحلة ومعي قلمي وأوراقي وعلبة ألواني وحبي الكبير ..