الجناح الطائر «روبين» موهبة تمتع الهولنديين وعشاق «المجنونة»

لازمه «النحس» أعوامًا وقهره باللقب الأوروبي

كفّر الهولندي آريين روبين عن جزء بسيط من أخطائه التي ارتكبها بحق بلاده في نهائي كأس العالم 2010م بعد أن أهدر فرصًا عدة أمام المنتخب الأسباني أبرزها تلك الانفرادة التي واجه بها الحارس ايكير كاسياس في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة، إذ تمكن روبين قبل أيام من إسعاد الهولنديين أمام بطل العالم وأوروبا في افتتاحية كأس العالم 2014م عندما قاد منتخب بلاده لتحقيق فوز عريض بخماسية كان نصيبه منها هدفين حاسمين، وبالرغم من أن روبين قلل من المقارنة بين مباراة النهائي ومباراة السبت الماضي عندما قال: "لا علاقة لهذه المباراة بتلك التي لعبناها قبل أربع سنوات في جنوب أفريقيا، كنا في النهائي، وهذه المرة كانت مباراة المجموعة، لقد لعبنا ضد أفضل فريق في العالم، ولكننا عرفنا كيف نستغل فرصنا"، إلا أن الخسارة التاريخية والمذلة ثأرت للهولنديين ولو بشكل يسير من الأسبان.
روبين الذي يمتلك قدرات فنية هائلة منحته الأفضلية والتفوق وجعلته أحد أفضل وأبرز اللاعبين في العالم ولد في بوديم الهولندية عام 1984م وبدأ ممارسة كرة القدم هنالك عندما لعب مع غرونينغين الهولندي عام 2000م وكان عمره في ذلك الوقت 16 عاماً، بدأ روبين مسيرته بقوة وقدم مستويات كبيرة في أول موسمين إذ أصبح هدفاً لأكبر الأندية الهولندية، ونجح اندهوفين في كسب خدماته، الشاب روبين سجل لاندهوفن 22 هدفاً خلال الموسمين اللذين لعبهما وتمكن من التتويج معه بلقب الدوري الهولندي بالإضافة إلى كأس هولندا (كرويف) عام 2003م.
آريين روبين لفت بموهبته أنظار عدد من الأندية الأوروبية وتلقى عروضًا عدة أبرزها من مانشيستر يونايتد لكنه فضل أن يكون تشيلسي وجهته الجديدة بسبب العرض المالي الكبير الذي وصل 18 مليون يورو، وبدأ روبين رحلة الاحتراف الخارجي هنالك فشق طريقه نحو النجومية وفرض اسمه في الخارطة العالمية.
كانت بداية روبين مع تشيلسي مخيبة لآمال عشاق "البلوز" بسبب إصابته وبابتعاده عن المباريات، إلا أنه أثبت لهم فور تعافيه من الإصابة بأنه صفقة رابحة بسبب مستوياته الكبيرة وأهدافه الحاسمة، حتى أن مدرب تشيلسي في ذلك الموسم (2004-2005م) البرتغالي جوزيه مورينهو قال عنه: "انه واثق جداً من نفسه ورغبته في الفوز وطموحه أكبر وأكبر، تحسن الفريق كثيراً منذ أن بدأ يلعب معنا".
في أول موسمين له مع "البلوز" سجل روبين 16 هدفاً ساهمت في تتويج الفريق بلقب الدوري الإنجليزي مرتين (2005-2006م)، بالإضافة إلى درع الاتحاد الإنجليزي (2005م) وكأس انجلترا في ذات العام، وفي موسمه الثالث والأخير لم يسجل روبين سوى ثلاثة أهداف لكنه ساهم في حصد تشيلسي للقب كأس الدوري (2007م) وكأس الاتحاد الإنجليزي في العام ذاته، وتسببت إصابات روبين المتكررة في الركبة وخضوعه لأكثر من عملية جراحية في ذلك الموسم بالإضافة إلى إهداره ركلة جزاء أمام ليفربول في نصف النهائي من دوري أبطال أوروبا في نهاية علاقته مع تشيلسي إذ تلقى عرضاً مغرياً من ريال مدريد.
روبين الذي عُرف بملازمة "النحس" له وبمعاندة "الحظ" في أكثر من مناسبة حزم حقائبه وغادر إلى العاصمة الاسبانية لإرتداء شعار الريال، وكانت أول مشاركة له في دوري أبطال أوروبا مع فيردر بريمن الألماني في المباراة التي انتهت بفوز الريال 2-1، روبين الذي يتميز بالسرعة والمهارة العالية والدهاء والمخزون اللياقي الوافر وإجادته اللعب في الجناح الأيمن والتسديد بالقدم اليسرى بإمتياز سجل في أول مواسمه مع الريال خمسة أهداف أربعة منها في الدوري الأسباني وواحد من تلك الأهداف الأربعة في مرمى برشلونة الغريم التقليدي للمدريديين خلال المباراة التي حسمت للريال 4-1، وفي ذلك العام حسم لقب الدوري لمصلحة ريال مدريد (2008م).
بعد مستوياته المبهرة في أول مواسمه مع الريال فرض روبين اسمه على الجهاز الفني وحجز له موقعاً أساسياً في التشكيلة، فشارك في 37 مباراة سجل خلالها ثمانية أهداف وساهم في تتويج الريال بلقب كأس السوبر الأسباني (2008م).
بعد نهاية الموسم خرج روبين اعلامياً وقال: "لا أريد الخروج من ريال مدريد، لكن النادي يريد بيع عقدي"، وانتهت قصة روبين مع الفريق الأسباني بأمر من رئيسه بيريز الذي ضحى بالجناح الطائر بعد أن استقطب في ذلك العام لاعب الوسط البرتغالي كريستانو رونالدو والبرازيلي كاكا.
ولأن آريين روبين لاعب موهوب بالفطرة فهو بالتأكيد مطمع لأقوى الفرق الأوروبية، بايرن ميونخ حسم صفقة انتقال روبين لصفوفه مقابل 25 مليون يورو وكان ذلك في 28 اغسطس من عام 2009م.
تأقلم الصاروخ البشري سريعاً مع "البافاري" وفي أول ظهور له بشعاره موسم 2009-2010م سجل له هدفين في مرمى فولفسبورغ من ضمن 23 هدف سجلها في ذلك الموسم الذي توج خلاله مع البايرن بلقب الدوري الألماني وبكأس المانيا وبلقب السوبر الألماني، ووصل روبين مع البايرن إلى نهائي دوري أبطال أوروبا إلا أن خسر ذلك النهائي أمام انتر ميلان الإيطالي.
وفي موسمه الثاني سجل روبين 13 هدفاً إلا أن ميونخ لم ينال أي بطولة في ذلك الموسم بالرغم من وصوله إلى نهائي دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية على التوالي بيد أن "النحس" لازم روبين مجدداً إذ تسبب في تلك الخسارة بعد إهدارة ركلة ترجيحية في النهائي الذي كسبه تشيلسي الإنجليزي.
بعد طول انتظار وضع روبين حداً للنحس الذي لازمه كثيراً في نهائيات دوري أبطال أوروبا إذ كانت له بصمة قوية في تتويج البافاري باللقب على حساب مواطنه بروسيا دورتموند بعد أن صنع هدفًا وسجل آخر في وقت قاتل لتنتهي المباراة للبايرن 2-1 وتذوق معها روبين طعم دوري الأبطال الذي حرم منه كثيراً (2013)، وفي ذات العام الذي سجل فيه روبين 13 هدفاً توج بلقب الدوري الألماني وكأس المانيا وكأس السوبر الأوروبي، وكان لروبين دور كبير في تلك البطولات، وفي الموسم الماضي قاد روبين بايرن ميونخ للتويج بالدوري الألماني وبالكأس إذ سجل 21 هدفاً خلال ال 45 مباراة التي لعبها.
وتذوق روبين طعم "الذهب" في 20 مناسبة مع الفرق الأربعة التي لعب لها طوال مسيرته الكروية، ونال الجوائز الشخصية مثل أفضل لاعب في هولندا وأفضل لاعب في المانيا فشل في تحقيق أي إنجاز للمنتخب الهولندي بالرغم من تواجده في كأس العالم (2006-2010م) وكأس الأمم الأوروبية (2004-2008-2012م)، وبات أمر إضافة انجاز له في مشواره مع المنتخب هدفاً مهماً له إذ يسعى إلى تعويض الجماهير الهولندية عن تلك الهجمة التي أهدرها في نهائي النسخة الماضية من كأس العالم والتي لا تزال عالقة في أذهانهم كونها كانت ستدخلهم تاريخ أبطال كؤوس العالم.
آريين يدرك جيداً بأن المشوار طويل في كأس العالم وظهر ذلك جلياً في حديثه لوسائل الإعلام بعد الفوز على اسبانيا بخماسية عندما قال: "ان إحراز ثنائية أمر رائع دائماً، هذا النجاح الاستثنائي اتى بفضل العمل الجماعي، لا أحد كان يتوقع مثل هذا النصر الكبير على حامل اللقب، علي أن أقول أنني فخور جداً بفريقي وأنا سعيد بتسجيل هدفين، ولكن المدهش في الأمر هو ما حققناه معاً. لقد انبهرت بأدائنا العام، هذا هو ما صنع الفارق الليلة، الآن يجب علينا الإستمرار في التركيز والاستمرار على هذا الطريق، غدا سنبدأ من الصفر الأمر بهذه البساطة، مباراة اسبانيا ستبقى في الذاكرة لفترات طويلة، ولكن هذا لا يعني حقاً الكثير نريد أكثر من ذلك بالفعل".
بداية روبين في النسخة الحالية من كأس العالم تبشر بالخير بالنسبة لأنصار هولندا فحضوره كان جلياً في أول مباراة بتسجيله هدفين، ليس كذلك فحسب بل إنه سجل رقماً قياسياً شخصياً في تاريخ كؤوس العالم عندما كسر الرقم القياسي كأسرع انطلاقة في بطولات كأس العالم في الهدف الخامس وذلك بحسب صحيفة "دي تلجراف" الهولندية التي ذكرت بأن روبين انطلق بسرعة 37 كيلو متراً بالساعة, وهي السرعة الكفيلة بقطع مسافة 100 متر خلال 10.28 ثانية، محطماً بذلك الرقم القياسي الخاص باللاعب الإنجليزي ثيو والكوت بسرعة 35 كلم في الساعة، كما قارنت الصحيفة سرعة روبين بسيريجيو راموس مدافع المنتخب الإسباني, إذ تسابق اللاعبان نحو الكرة موضحةً أن سرعة راموس بلغت في أقصاها 30 كلم، كما كسر روبين رقمه القياسي نفسه الذي سجّله مع فريقه بايرن ميونيخ وبلغ 30 كلم في الساعة.
روبين "الساحر" بفنه واطلالته اللافتة للأنظار في كل مباراة جعل المدريديين يندمون على التفريط به بعد أن اصبح احد افضل اللاعبين في العالم، ومثلما كسر "النحس" الذي لازمه في دوري أبطال أوروبا وتغلب عليه بالتتويج باللقب في عام 2013م، يأمل روبين ومحبوه وأنصار الكرة الهولندية أن يكون عام 2014م فأل خير على الجناح الطائر ومنتخب هولندا من خلال مواصلة النتائج المميزة في مونديال البرازيل وتحقيق لقب البطولة المنتظرة للهولنديين خصوصاً وأن الكتيبة الحالية تضم أفضل اللاعبين في كرة القدم العالمية والذين يمثلون أقوى الفرق الأوروبية.