«الحلم بلا طموح كسيارة بلا بنزين، فلن تستطيع الذهاب إلى أي مكان!» مقولة جميلة للمخرج الأمريكي الشاب سين هامبتون. بيد أن العبارة قد لا تستخدم لفترة طويلة حيث غدت السيارات تسير دون بنزين. حديثنا اليوم حول السيارات الكهربائية والأحلام الاسرائيلية. في آخر التسعينيات، أتاني صديقي الياباني في الجامعة وبيده جريدة الاقتصادية اليابانية (نيكاي) ليقول لي منفعلا وبلهجة أهل أوساكا القوية: «سيكون بلدكم في وضع خطير.. ففي عام 2010م ستسير السيارات بالكهرباء وسيقل احتياج العالم للنفط السعودي !». وبداية أحمد الله أن الجزء الثاني من حديثه لم يتحقق رغم أن الجزء الأول قد تحقق فعلا على أرض الواقع. ولنبادر بالسؤال عن الهدف من إنتاج هذه السيارات؟ في الواقع يرى عدد من الخبراء أن أحد أكبر الحوافز خلف السعي لتطوير السيارات الكهربائية هو تقليل الاعتماد على النفط العربي بعد القرار الشجاع من الملك فيصل، رحمه الله، بقطع إمدادات البترول عن الدول الداعمة للكيان الصهيوني في حرب 10 رمضان. ولاحقا تم تلطيف هذه التوجهات بالتركيز على أن الهدف من إنتاج السيارات الكهربائية هو تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والحفاظ على البيئة. أيا كانت النوايا فقد كانت اسرائيل أحد أكبر البيئات الداعمة لصناعات السيارات الكهربائية. ولعل أوضح مثال هو شعار «اسرائيل مستقلة عن البترول عام 2020م « والذي أطلقته شركة بيتر بليس (Better Place) والمتخصصة في بطاريات السيارات الكهربائية والتي انطلقت كمشروع أعمال ريادي اسرائيلي - أمريكي عام 2008م. وتقوم الفكرة على بطاريات قابلة للتغيير ومخصصة للسيارات الكهربائية وذلك عبر روبوتات آلية تغير بطاريات السيارات الكهربائية خلال خمس دقائق في محطات مخصصة لذلك على غرار محطات البنزين. ولتبسيط الصورة فيمكن مقارنة هذه البطاريات الكهربائية التي يتم استبدالها في السيارات باسطوانات الغاز والتي لا نقوم بملئها بالغاز مجددا بل باستبدالها باسطوانة جديدة. اتفقت شركة بيتر بليس مع شركتي نيسان ورينو على تطبيق بيئة اختبار اجتماعية في اسرائيل للسيارات الكهربائية عبر بناء شبكة من نصف مليون محطة لتغيير بطاريات الشحن. وأعلنت الحكومة الاسرائيلية على مستوى رئيس الكيان شمعون بيريز دعمها للمشروع وتقديم حوافز ضريبية كبرى. وحسب صحيفة الفاينانشال تايمز فقد قامت 400 شركة اسرائيلية بمخاطبة بيتر بليس باستعدادها لتغيير سياراتها إلى السيارات الكهربائية حال دخولها الخدمة ما يشكل حوالي 80 ألف سيارة تقريبا. وجمعت الشركة الاستثمارات الكبرى وكانت «إسرائيل كوربوريشن «كبرى الشركات القابضة فى إسرائيل أكبر المستثمرين بحوالي (33%) من إجمالي الأسهم. ترى كيف كانت النتيجة؟ في مايو 2013م تقدمت شركة بيتر بليس بطلب لإعلان إفلاسها بسبب ضعف المبيعات وعدم رغبة المستثمرين في خسارة المزيد من رؤوس الأموال في الشركة. وبلغة الأرقام فلم تتجاوز مبيعات الشركة من السيارات الكهربائية «رينو فلوينس زد إي» التي تعمل ببطارياتها سوى 1000 وحدة في اسرائيل و400 وحدة في الدنمارك بعد استثمارات ضخمة بلغت 850 مليون دولار أمريكي من الاستثمارات الخاسرة.. وأخيرا،، فصحيح أن بيتر بليس فشلت ولم تتحقق الرؤية الاسرائيلية في عالم يسير بسيارات كهربائية ولا يعتمد على البترول. ولكن يجب ألا ننسى أنها مجرد معركة ولم يخسروها بسبب تفوقنا بل لأن الظروف المحيطة لم تساعدهم على النجاح والانتصار. الوضع خطير والأمم تتحرك من حولنا بسرعة حيث هنالك نماذج لشركة سيارات كهربائية ناجحة مثل «تيسلا» الأمريكية. وفي زمن حروب الاقتصاد والتقنية والعقول ما نحتاجه لكي نتفوق وننتصر هو رؤية استراتيجية وإدارات غير تقليدية تخطط وتعمل وعيونها على القرن الثاني والعشرين!