حين زار رئيس وزراء سنغافورة ومؤسسها وباني نهضتها "لي كوان يو" اليابان كان مهتماً لمعرفة أسباب تفوق اليابان ونجاح مشاريعها وأشاد بهم في كتابه القيّم" من العالم الثالث إلى الأول" وذكر أن أشد ما تأثر به هو تشديدهم على الاستثمار في الأفراد الذين سيقومون بتشغيل تلك المشاريع وإدارتها وصيانتها على المدى الطويل. لقد أقاموا دورات تدريب وأعدوا الكوادر بدءاً بحسن اختيار قادتها ومهندسيها وبقية موظفيها، ثم التركيز على التدريب قبل انتهاء المشاريع بوقت كاف، وأضاف أن السرّ في نجاح أي مشروع يكمن في فريق العمل الذي يقوم بالتخطيط الدقيق والمتابعة خلال تنفيذ جميع مراحل المشروع، ويركزون استثمارهم على الموظفين الذين يطبق عليهم نظام البقاء في المؤسسة مدى الحياة لما يقدمونه لهم من رعاية اجتماعية وسكن وتعليم وتأمين طبي وميزات تزرع لديهم الولاء والإخلاص لتلك المنشأة. المشاريع الكبيرة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين من مكةالمكرمة في نهاية شهر رمضان تعد فرصة سانحة لتسريع عجلة الاقتصاد وتمكين شباب المملكة من العمل في وظائف مجدية تكفل لهم حياة مهنية ناجحة، ومحاربة البطالة التي تعاني منها المملكة المملكة العربية السعودية تعيش والحمد لله وفرة مالية وتنفذ مشاريع كبيرة غير مسبوقة، وذلك بفضل الله ثم حرص الدولة على رخاء المواطن والرقي بما يقدم له من خدمات وإدراكها لأهمية تنويع مصادر الدخل، وقد تجلت تلك المشاريع في التوسع الهائل في الصناعات البتروكيميائية في الجبيل وينبع وفي التوسعة الكبيرة لمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وفي بناء الجامعات والمدن الصحية، وكان آخرها مشروع الملك عبد العزيز للنقل العام في الرياض الذي سيغير وجه المدينة، وبلغت تكلفته أربعة وثمانين مليار ريال، وأعلنت تفاصيله قبل أيام. لقد أسندت أغلب هذه المشاريع الكبيرة لجهات لديها الخبرة في تنفيذ المشاريع الناجحة مثل الهيئة الملكية للجبيل وينبع وشركة أرامكو والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ذلك أن هذه الجهات تمتلك العنصر البشري المدرب ولديها المرونة المالية والبشرية، وتدرك جيداً أهمية الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية في جميع مراحل تخطيط وتنفيذ المشاريع. هذه المشاريع الكبيرة التي دشنها خادم الحرمين الشريفين من مكةالمكرمة في نهاية شهر رمضان تعد فرصة سانحة لتسريع عجلة الاقتصاد وتمكين شباب المملكة من العمل في وظائف مجدية تكفل لهم حياة مهنية ناجحة، ومحاربة البطالة التي تعاني منها المملكة وذلك بالتركيز على الخطوات الآتية: أولاً. إعطاء أهمية خاصة لاختيار وتدريب الكوادر البشرية الوطنية لإدارة وتشغيل وصيانة المشاريع وأن يكون بند التدريب واحداً من أهم البنود التي توضع ضمن الميزانية المرصودة للمشروع، وألا يكون هذا البند من البنود التي يطالها الحذف أوالتقليص أوالترحيل إلى مرحلة لاحقة خصوصاً حين تكون قيمة المشروع عالية، لأن غيابه يعني انتهاء المشروع وشغل الوظائف بوافدين يكسبون المال والخبرة على رأس العمل ثم يغادرون دون أن يكون إلى جانب كل واحد منهم أحد أبناء الوطن الذي سيكسب الخبرة ويواصل العمل، وبذا نفوت فرصة لا يمكن أن تتكرر لتدريب وتوظيف المواطن وإكسابه الخبرة. ثانياً. لدى المملكة تجارب ناجحة في بناء القدرات البشرية الوطنية سواء في القطاع العام أو الخاص وليست تجربة أرامكو سوى واحدة من قصص النجاح التي تعيشها المملكة، لقد بدأت أرامكو بموظفين من دولة رائدة في مجال البترول، ودخلت شركاتها كشريك في المشروع يهمها نجاحه، وتوافد أبناء القرى والبادية إلى الظهران للعمل جنباً إلى جنب مع زملائهم الأجانب. واكتسبوا من خلال التدريب ثقافة العمل الجاد والانضباط والإتقان، والآن أصبحت أرامكو تدار بكوادر وطنية متميزة، بل وأصبح المتميزون من موظفيها من أكثر المطلوبين لسوق العمل في القطاعين العام والخاص، ذلك أنه تم تدريبهم وتأهيلهم على رأس العمل بشكل صحيح، وهناك مثال آخر هو القوات المسلحة فعند التوقيع على عقود المشاريع مع الدول الصانعة يكون التدريب والتشغيل على قائمة البنود لأهميته، ويتم ابتعاث الأعداد الكافية لإدارة وتشغيل وصيانة تلك المعدات قبل تسلم المشروع بوقت كاف، وحين تبحر السفينة أو تقلع الطائرة لأول مرة من البلد الصانع إلى المملكة تكون تحت قيادة مشتركة من أبناء الوطن ومن الدولة الصانعة، ومن يزور سفينة من سفن القوات البحرية سيجد أن كامل الأطقم من قائدها وحتى الطباخ من المواطنين الذين يعملون بكل فخر واعتزاز، والسبب حسن التدريب وضمان الحد الأدنى من متطلبات الحياة كالسكن والتعليم والعناية الصحية، كما يتم مواصلة تدريبهم على رأس العمل وفي معاهد القوات المسلحة وفي منشآت الدول المتقدمة والشركات الصانعة مما يكسبهم ثقافة مختلفة أساسها حب العمل وإتقانه، كل ذلك يتم التخطيط له في بداية المشروع. ثالثاً. للمملكة تجربة جميلة ويجب أن تتكرر في كل مشروع كبير تزيد قيمته على مبلغ معين وهو إضافة شرط التوازن الاقتصادي، ويعني ذلك أن تقوم الشركات الرئيسة في تنفيذ العقد بإنشاء مصانع لقطع الغيار والصيانة والتدريب بالتعاون مع وزارة المالية وشركات القطاع الخاص المستفيدة من عقد المشروع أو خدماته فيما بعد، على أن تمتلك الشركات العالمية الصانعة جزءاً من رأس مال الشركة أو المصنع وتسهم في إدارته وضمان نجاحه واستمراره كما هو في شركة السلام للطائرات وشركة الإلكترونيات المتقدمة والتي أنشئت من قبل وزارة الدفاع ضمن عقود تسليح سابقة لنقل التقنية إلى المملكة وتنويع مصادر الدخل وإيجاد وظائف للمواطنين. إن من يطلع على تفاصيل تلك المشاريع ومنها مشروع النقل العام بمدينة الرياض ومكوناته الرئيسية ومراحل تنفيذه يشعر بالاطمئنان إلى مستقبل المملكة وإلى سعي الحكومة الجاد لتعزيز الاقتصاد والرقي بالخدمات، حقاً إنها مشاريع ستغير وجه المدن وتعزز اقتصاد المملكة بشكل عام.