شهدت العلاقات الاجتماعية بين الأهل والأقارب والجيران فتوراً كبيراً، حيث لم يعد لها الحضور الذي كانت عليه في السابق، وأرجع مختصون هذا الفتور لأسباب عدة؛ أهمها الطفرة المادية وما خلّفته من خلل في الحياة الاجتماعية، إضافةً إلى خروج الناس من "الحارات القديمة" التي تتميز بتقارب أهلها في المستوى المعيشي والاجتماعي والثقافي؛ كونهم من بيئة واحدة لم يدخلها "غرباء"، وانتقالهم إلى الأحياء الحديثة المتباعدة، إلى جانب وجود الكثير من الجنسيات الوافدة التي جاءت تحمل عادات بلادها وطبيعة مجتمعاتها التي لا تهتم بالعلاقات الإنسانية، مما انعكس على الحياة في مجتمعنا بشكل واضح في هذا الزمن، إلى درجة لم يعد فيها الجار يعرف جاره، وربما الأخ مرّت شهور دون أن يزور أخاه أو قريبه!. والملاحظ على العلاقة بين أفراد المجتمع أنها أصبحت "هشة" و"ضعيفة"، بل إن البعض يرى في تقويتها "مضيعة للوقت"، و"وجع دماغ" لا حاجة إليه، مما أدى إلى تلاشيها بين الجيران والأقارب، إلى درجة أن المعرفة أصبحت بين الناس لا تظهر إلاّ في زواج أو جنازة!، كما أن الجار لم يعد يعرف عن جاره شيئاً، وكأن شعار العلاقة بينهما: "يا جاري أنت في دارك، وأنا في داري"!. انقطاع العلاقات وأكد الكثير من الناس على أن العلاقات الاجتماعية اليوم لم تعد بالقوة التي كانت عليها بالأمس؛ نتيجة الطفرة المادية، حيث يقول الأستاذ "أحمد الخطيب": كان جميع أفراد الأسرة إلى وقت قريب يعيشون في بيت واحد هو بيت العائلة، الأبناء وزوجاتهم وأبناؤهم مع الأب والأم والجد والجدة، يجتمعون على مائدة واحدة، وفي وقت واحد، وكانت الكلمة الأولى في البيت هي لكبير الأسرة، مضيفاً أنه كان الترابط حاضراً بين جميع الأقارب، ولا يمكن أن يمر يومان أو ثلاثة دون أن يتزاوروا، أما اليوم فقد انقطعت العلاقات، وأصبح الأبناء كل منهم في منزل لوحده مع زوجته وأبنائه، والأب والأم في بيتهم، وربما يمر أكثر من أسبوع دون أن يجتمعوا، مشيراً إلى أن الروابط الأسرية بين العائلة الواحدة لم تعد كما كانت عليه في السابق، ليس على مستوى المدن الكبيرة فقط، وإنما حتى على مستوى المدن الصغيرة التي انتقلت إليها العدوى بشكل كبير. د. سالم باعجاجة جفاء وبرود وأوضح "د. سالم باعجاجة" -أستاذ جامعي- أن العلاقات والروابط بين الأهل والأقارب والجيران اعتراها الكثير من الجفاء والبرود، ولم تعد بمثل ما كانت عليه في الماضي، فالطفرة المادية أثّرت بشكل سلبي على العلاقات الإنسانية في المجتمع، مضيفاً أن الكثير من الجيران في المدن لا يعرف جاره رغم أنه لا يفصل بين منزليهما إلاّ جدار لا يزيد سمكه عن عشرة "سنتيمترات"، ومع هذا لا تجد بينها أي علاقات يفترض أن تكون قائمة بين الجيران، كالزيارات فيما بينهما وبين عائلتيهما، وكل منهم لا يفكر في المبادرة لكسر هذا الجبل الجليدي في العلاقة، وتوثيقها بينهما، مؤكداً على أن جار يطبق القول السائد اليوم: "يا جاري أنت في دارك، وأنا في داري"، وهذا أفقد الجيران الترابط الذي كان سائداً في الماضي في الحارة الواحدة. م. خالد حسناوي طفرة مادية ووصف "م. خالد حسناوي" العلاقات الإنسانية في المجتمع ب"الهشة"، التي لم يعد لها ذلك الحضور والجمال الذي كان في الماضي، وهذا نتيجة المدنية وحالة الاستغناء التي سادت نتيجة الطفرة المادية، مضيفاً أنه أصبح الكثير من الناس اليوم يرى في تقوية الروابط الاجتماعية من خلال الزيارات بين الأقارب والجيران مضيعة للوقت، وكذلك "وجع دماغ" لاحاجة إليه، مبيناً أنه من هنا بدأت الروابط تفتر وتتلاشى بين الجيران والأقارب، إلى درجة أن المعرفة والروابط بين الناس أصبحت لا تظهر إلاّ في زواج أو جنازة، لافتاً إلى أنه حتى في الجنازة تجد الكثير من الموجودين وهم لا يزالون في المقبرة وأقارب المتوفى يوارونه التراب يتحدثون في أمور الدنيا الزائلة كأسعار العقارات والأراضي والأسهم، وكذلك "فلان عنده"، و"فلان ما عنده"، وكأنهم في مكتب عقار وليسوا في مقبرة يوارى في ترابها إنسان كان بينهم منذ ساعات. أحمد الغامدي رسائل SMS وقال الأستاذ "أحمد بن محمد الغامدي": إن العلاقات بين الأقارب والجيران أصبحت ذابلة في ظل الطفرة المادية التي شغلت الناس عن الجوانب العاطفية والعلاقات الإنسانية، حتى الاتصالات بالهاتف أو "الجوال" للتهنئة بمناسبة سعيدة أو السؤال عن الأحوال لم تعد قائمة، وإنما أصبحت رسائل ال(SMS) هي السائدة بين الأقارب والأصدقاء، مضيفاً أن ظاهرة انعدام الزيارات بين الجيران وقلتها بين الأقارب انتقلت عدواها حتى إلى المدن الصغيرة والقرى، وكل شخص لم يعد يدري عن أقرب الناس إليه، بل حتى الجار يمرض ويعاني ولا يعلم عنه جاره، وهذا يعكس ما وصلت إليه العلاقات الإنسانية اليوم من ذبول وهوان، مشيراً إلى أن الأهل والأقارب لا يجتمعون اليوم إلاّ في مناسبتين زواج أو جنازة!. حضور مجاملة وذكر "الغامدي" أن البعض في مناسبة "الجنازة" لا يستحي من الحديث في أمور الدنيا، وهو واقف على الميت أثناء دفنه، مما يعكس تحجر قلبه، وفقدان الاعتبار عنده لمثل ذلك اليوم الذي يوارى فيه الإنسان الثرى، مبيناً أن الكثير ممن يحضر زواج قريب أو صديق يأتي للمجاملة وليس للعاطفة، حيث تجد من "يتململ"، بل ولا يكاد يتناول العشاء حتى تراه مهرولاً نحو الباب للخروج دون أن يبارك للعريس أو يهنيه، والبعض ربما ينسحب مبكراً على طريقة "وريهم وجهك وأهرب"، ليقال إنه حضر!. م. علي رضا حُب حقيقي وقال "م. علي مراد رضا": إن علاقات اليوم أشبه ب"المتبلدة"؛ لأن كل شخص مشغول بنفسه، مما أدى إلى ضعف وذبول العلاقات بين الجيران، إلى درجة أصبح معها الجار لا يعرف حتى اسم جاره الذي يجاوره، مضيفاً أن كل علاقات الناس أصبحت مبنية على المصالح، مبيناً أن العلاقات والروابط بين الأهل والجيران إلى وقت قريب كانت أجمل وأكثر حميمية؛ لأنها مبنية على حب حقيقي وليس مصالح، والصورة التي كانت عليها علاقة الجيران أقوى وأجمل، بل إن الجيران كانوا يُعدون أكثر من الأهل، وكل جار يعرف جميع جيرانه في الحارة، ولو غاب واحد منهم لأكثر من يوم فإن الجميع يسارع لمعرفة سبب غيابه، لافتاً إلى أنه كانت الزيارات حاضرة بين الجيران وأسرهم، وهذه الصورة التي عشناها وتربينا عليها في الماضي، مؤكداً على أن ما يحدث اليوم هو اختلاف الوضع، نتيجة الطفرة المادية التي شغلت الناس ونتيجة الجمود العاطفي. أكثر ما يجمع الأقارب حالياً احتفالات الزواج.. «عدسة- محسن سالم»