الباب لا ينحاز إلى أحد ولا يحرس الأحذية..! * * * العلاقة بين الصدق والكذب علاقة نشوء وتخلُّق..! .. كلاهما احتمال لا يكتمل إلا بالآخر، وفعلٌ لا يؤطره إلا نقيضه..! قال أجدادنا.. الجملة الخبرية تلك التي تحتمل الصدق والكذب.. ! ثم تركونا نتخبّط باحتمالاتنا.. حينما نتداولُ الأخبار رواةً ومتلقِّين..! هذا عن الجملة الخبرية عند أجدادنا.. لكنهم حينما تجرّؤوا، ونظَّروا للأقوال تركوا الأفعال في ذمة الناقل نقلاً، وفي ذمة الفاعل فعلاً..! ألم يقولوا إن أعذب الشعر أكذبه، وهم الذين يعلمون أن جل تاريخنا القديم قصيدة هنا وحقيقة هناك ؟! ولكن.. أيّنا لايكذب حين يصدق، وأيّنا يصدق فنعرف أنه لا يكذب..!؟ * * * ليست علاقة نفي فحسب.. فعلى مستوى الصوت ثمة مراوغةٍ خائفةٍ للكاذب، وسكون واثق للصادق..! هكذا تمامًا.. فمركز مفردة الكذب.. (ذال) في وسطها وهي ذات حضور مراوغ، يبدو اللسان أثناءه أشبه بالمرتبك والمتوثّب للتراجع على مستوى النطق، ثم تنتهي المفردة بباء متوجسة تطبق عليها الشفتان، مخافة السقوط في المنعطف الأخير من الحقيقة..! في حين أن مفردة صدق تتوسطها دالٌ ساكنة.. يفتّش جيوبها حرّاس الكلام وهي ثابتة، واثقة من تغلغل حقيقتها حتى آخر القاف..! هذا عن الكلمات وتواشجاتها وهو مبحث شهيّ للشعراء تحديدًا يمكنهم من خلاله التهويم والمصادقة على رؤاهم من خلاله.. ومع هذا تبدو العلاقة بين الصدق والكذب فيما نحن فيه علاقة تكامل وتقارب وتصاهر وتوالد على الرغم من اختلافهما، فلن نعرف الكذب ما لم نكتشف الصدق فيه.. ولن نكتشف الصدق حتى يدلنا عليه المكذوب عنه...! * * * قال الشيخ بعد أن مدّ رجليه: - ولماذا كذب عمرو؟ فقال تلميذه: - لأن زيداً صدق..!