الإجراءات الأخيرة التي تم بموجبها تصحيح بعض هياكل الوزارات وتوحيد إجراءاتها ومهامها فيما يتعلق بوزارات الخدمات مثل المياه، والكهرباء، والتعليم، والتجارة، والصناعة، والإسكان والبلدية، والإعلام، والثقافة، والعمل، والشؤون الاجتماعية من دمج بعض الوزارات ببعضها .. كانت خطوة موفقة درست بعناية لتصحيح مسار العمل الإداري والفني، فالماء ربط بالكهرباء والتعليم العالي استقل بالكليات عن التعليم العام، والإسكان ربط بالبلديات، والتجارة ربطت بالصناعة، والثقافة ربطت بالإعلام، والعمل والعمال استقلت، والشؤون الاجتماعية استقلت فكانت بالفعل تصحيحاً للتداخل الإداري، وبلغة أخرى فك اشتباك المصالح المتداخلة وفصل الازدواجية الإدارية.. ولكن «وهذه اللاكن لابد منها» ماذا حدث على أرض الواقع من حيث الإجراءات وتطوير العمل الإداري.. وماذا استفاد (المراجع) من هذا التنظيم إذا صارت لغة الأمس «راجعنا بكرة» هي نفسها لم يطرأ عليها أي تغيير مجرد نوايا حسنة وأحاديث طويلة عن الإدارة والحكومة الالكترونية وتطويل وتمطيط في تطوير الأداء الوظيفي عبر الدورات والبعثات والمستشارين وأنظمة الحاسب وبرامج الأداء الوظيفي لكن دون جدوى.. لقد أُفرز واقع مُر فمع إعادة الهيكلة الجديدة انشغلت بعض القطاعات بتقاسم (كعكة) الوظائف والمناصب التنفيعية: هبات وعطايا بين الأهل والأصدقاء وغابت عن هذه القسمة الكفاءات الإدارية والموظفون أصحاب الإنجازات لنعود إلى نقطة الصفر (راجعنا بكرة) و(تعال برجلك) في الوقت الذي تفرز لنا الجامعات السعودية والأجنبية والمعاهد والاكاديميات الآلاف من المتخصصين في الإدارة والأعمال الفنية والمهنية ليبقى هذا الصف الثاني معزولاً عن إدارة القرار التي تمارس عملها بطريقة تقليدية ورتيبة وللأسف الشديد ان الصف الثاني أصيب بإحباط شديد فإما أنه أصبح عضواً سلبياً داخل المنشأة أو انه تطبع بالإدارة التقليدية التي حقنته بجرعات قوية من الرتابة وأصبح موظفاً سلبياً يمتهن سلوك راجعنا بكرة الذي يعود لزمن الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي. بلدنا يحتاج لأن يعالج بجراحه الإدارية وينتفض بحكمة ووعي على الأسلوب التقليدي ويداوي مواجعه عبر التشخيص الصحيح للعلة الإدارية بايجاد أشخاص لهم تاريخ في الانجاز الوظيفي وان تسبق الكفاءة الإدارية أي معيار آخر يقوم على الثقة أو صلة القرابة وأبناء القرية والاقليم لأن هناك جيلاً قادماً يجب ان لا يغرق بدوامات راجعنا بكرة فلا ذنب له، لديه مسؤوليات تطويرية أخرى تنتظره في مجال تطوير الفكر الاقتصادي والتعليمي والتقني لنقلنا من مربع الاستهلاك إلى مربع الانتاج ولا يمكن ان يحقق الجيل القادم طموحاته بإدارة تقليدية وفكر إداري متواضع يتعامل مع الواقع بثقافة الأمس.. دعونا نتجاوز خطوط الطول ودوائر عرض الرتابة المهنية لنقفز إلى حاضر الواقع حيث تنافُس الشعوب التي دحضت معوقات من الأشخاص والأفكار التي تجرّ إلى الخلف.. لن نتجاوز أي خط وهمي أو واقعي ونحن غارقون بثقافة وقفت على زمن طلائع الطفرة الاقتصادية في أواخر القرن الهجري الماضي حين كان المراجع يأتي على هيئة قروي جاء للتو من المزرعة، أو من ابناء البادية وهومغبر من السفر من الطرق الترابية، أو متحدر من أعالي الجبال يحمل في ثنايا قدميه صخور الأرض، أو (سماك) لتوه أخرج شباكه من البحر.. هذا المراجع الذي لا تحترمه الإدارة عندنا هو الآن إما أنه طبيب في أعقد التخصصات الطبية، أو فني تخدير متميز في عمله أو استاذ جامعي يغذي طلابه بالمعارف، أو رجل أعمال ناجح يبني اقتصادنا، أو مهندس يعيد بناء المدن، أو جيولوجي يتتبع مشارب النفط، أو إعلامي يتحسس أوجاع الناس ويشكل رأياً.. أو اجتماعي يرمم أحزان البيوت.. هذا المراجع الذي يوقفه الموظف كتلميذ مدرسة ابتدائية يعاقبه معلم على إخفاقه في التهجي والكتابة.. أو عامل منزلي قصر في واجباته اليومية.. هذا المراجع الذي تجرح كرامته أمام الموظف آلاف المرات..إنما هو مواطن صالح وصادق في حب بلده.. مواطن يعكف على تربية أولاده على حب دينه ووطنه وولاة أمره لكنه عند الموظف الذي يحبس معاملته ومصالحه يصبح بائساً يتوسل حقوقه ويستجدي عاطفة الموظف كي ينجز الحد الأدنى من واجبه الوظيفي.. لدي أمل كبير بالجيل القادم ان يتجاوز هذا المأزق الإداري الخانق من خلال إيمانه بالله العلي القدير وإيمانه بقدراته وتأهيله المهني ووعيه الوطني.