هل ظلم التاريخ الخليفة (يزيد بن معاوية)؟ هل اختطف مكر السياسة وشؤون البلاط واشتجار الطوائف رونق أبياته الشعرية وعذوبة قصائده المتوجدة؟ وأخيلته وصوره المدهشة؟ فقد ارتبط اسم يزيد بمطالع الصراع الطائفي بشكل اكتسح المساحات الأخرى في تكوينه، وألقى بظلاله على سيرته، فهو الذي من أجله غدت الخلافة الإسلامية ولأول مرة (ملكاً) بعدما كانت شورية، وأيضاً في زمنه قتل سبط الرسول عليه الصلاة والسلام في كربلاء، ورافق هذا العديد من المآسي والفتن. وان كان التاريخ قد حفظ له أنه أول من كسا الكعبة بالديباج الخسرواني، وأيضاً قد وصلت الفتوحات الإسلامية في عهده إلى المغرب غرباً، وبخارى شرقاً، لكن جميع هذا لم يبرز لنا يزيد الشاعر المتدفق المغدق، عدا بعض القصائد المتناثرة في بطون الشعر كأعذب ماقيل في غرض الغزل. ولا أدري عن مدى صحة نسبة هذه القصائد له، أم أنها ايضا جزء من الاحتراب الطائفي الذي يرمي أن يجعل منه رجل (غزل) مأخوذ بالجواري مسلوب بالقيان وليس برجل دولة. لكن هذا لايمنع من أنه وضع على لسانه قصائد خلاقة عابقة بالوضاءة، ولاغرو فدماء (ميسون بنت بحدل الكلبية) تجري في عروقه وهي التي قالت (رأي شخصي) أعذب قصيدة نسوية تراثية متوجدة شوقاً لصحرائها واتساع أفقها في قصر الخليفة معاوية في دمشق.. وماذنب إعرابية قذفت بها.. صروف الهوى من حيث لم تكن ظنت تمنت أحاليب الرعاة وخيمة بنجد فلا يقضى لها ما تمنت إذا ذكرت ماء العذيب وبرده وبرد حصاه آخر الليل أنت لها أنة بعد العشاء وأنة سحيرا ولولا أنتاها لجنت ولها قصيدة أخرى سمعها معاوية فكانت سبباً في افتراقهما التي مطلعها: لبيت تخفق الأرواح فيه أحب إلي من قصر منيف إلى أن تقول: وخرق من بني عمي خفيف أحب إلي من علج عنيف ففارقها معاوية وقال لها: ألحقي بأهلك. هذه الروح الشعرية العذبة لميسون مررتها جنيات الشعر إلى عروق ابنها يزيد، فنظم قصائد تناقلها الرواة، ومشت بها الركبان وغناها المغنون وأصبحت من أجمل الفلكلور الشعبي إلى الآن كقصيدته التي منها: خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني رأيتُ بعيني في أناملها دمي لها حكم لقمان وصورة يوسف ونغمة داوود وعفة مريم أغار عليها من أبيها وأمها ومن خطوة المسواك إن دار في الفم وهي القصيدة التي يشترك بها مع الشاعر الجاهلي امريء القيس في بعض الأبيات، وبالتأكيد لربما يرجع هذا إلى ظروف التدوين، في ظل ثقافة صحراوية شفوية. ويقول أيضا في قصيدة أخرى عبر صور جميلة ملونة ومتقافزة: إنسيةٌ لو رأتها الشمسُ ما طلعتْ من بعد رُؤيتها يوماً على أحد وأمطرتْ لُؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ ورداً، وعضتْ على العناب بالبرد وفي قصيدة أخرى جعل من البدر برقعاً لمحبوبته: جاءتْ بوجْه كأنّ البدْر برْقعهُ نُوراً على مائس كالغُصْن مُعْتدل إحْدى يديْها تُعاطيني مشعْشعةً كخدّها عصْفرتْهُ صبْغةُ الخجل يزيد بن معاوية الشاعر ظلم وبخس حقه، ولم يبق لنا التاريخ سوى يزيد الحاكم، وأساطير سوداء تدور حوله، وتغافل الجميع على قصائد ليزيد فاتنة ممطرة مبرقة مغدقة.