ما التقت الرياض والقاهرة ودمشق في مهمة تشاور مشتركة إلا وشعر العربي البعيد في المغرب أو نواكشوط أو الخرطوم بأن القلب العربي مازال قوي النبض, وأن شرايينه مازالت تدفع بدماء الحياة لمواجهة كل أخطار وافدة حيث إن هذا القلب العربي في متوسط المساحة العربية هو المجاور الحيوي لمواقع الصراعات وتنامي الثروات وتزايد الأهميات السياسية والعسكرية. والأمير عبدالله منذ تلك المساعي القديمة التي كان يتنقل فيها ما بين بغداد ودمشق أملا في أن تتسع طموحات التعاون باستيعاب العراق حين تستجيب قيادته لضرورات المصلحة العامة انعتاقا من أنانية دوافع الذات .. وحتى عندما ابتدع العراق منعطفا في الصراع يقسم قوة الأمة إلى شطرين بحيث أصبحت إسرائيل لا تواجه كل الحضور العربي , بل لقد زاد هذا التشطير انقساما بفعل إصرار العراق على موقفه حيث ظهرت الصورة العربية الأخرى, وهي في حالات اختلاف على التطبيع أو التبادل التجاري أو التمثيل المتبادل في علاقات الحد الأدنى.. منذ كل ذلك القديم والحديث يتألق الأمير عبدالله في مساعي وضوح سياسية وقومية لم تقبل بفتح نافذة واحدة على إسرائيل أو تدخل في حوار حول أدنى مستويات التمثيل مادام السلام متعثرا بوجود أراض عربية محتلة وباستمرارية شد القبضة السورية على بندقية المواجهة حيث يوضح الموقف السعودي وبشكل صارم استحالة عزل سوريا خلف أي محاصرة بل إن الكل معها في خندق واحد.. المشوار التاريخي لعلاقات الأمير عبدالله ومساعيه بدءا من الرباط ومرورا ببنغازي حتى أطراف الخليج الشرقية يؤكد جميعه أن السلام في حد ذاته ليس هدفا وإنما استعادة الحقوق العربية هي الهدف .. ولا بأس أن يكون السلام ثمن استرجاعها متى رأى أصحابها ذلك حيث لا تقبل المملكة أن يكون قرار الفرض أو التجزئة الإسرائيلي هو نهاية مرجعية التداول. الرئيس المصري في زيارته السريعة للبنان أكد بأن أي معاهدة أو تفاهم أو علاقات دولية أو أوسطية لن تسمح بمحاصرة أي طرف عربي فهناك زمالة نضال مستمرة مع سوريا وهنا موقف مساندة ودعم للبنان.. لبنان الذي يتذكر ساسته ومثقفوه أن لهب الحرب الطويلة الأمد لم ينطفئ إلا في الطائفالمدينة السعودية التي جمعت كل الفرقاء وكانت فيما بعد موقع تداول لمؤسسات الحكم في الكويت أثناء احتلاله مما يوضح انتهاج مناصرة كل حق عربي.. لبنان هذا شاهدته شخصيا وهو يحتفي بالأمير عبدالله بن عبدالعزيز عندما زاره منذ بضعة أشهر هو الذي ارتبط مع صداقات كثيرة فيه لا يمايز بينها أن يكون هذا يمينا وذاك يسارا .. لقد احتفى لبنان المولع بتقدير الصداقات بالأمير العربي المهيب حيث تبارت كل الفئات اللبنانية في مهمة الترحيب به.. وهو يذهب هناك ليؤكد تآخي بيروت مع الرياض ,وأن كل امتداد قدرات وإمكانات المملكة ليست إلا عمقا للبنان مثلما أن تلاقي روابط التضامن بين المملكة ومصر وسوريا لن يمد فقط يد حنو على الجبين اللبناني الذي أجهدته الغارات ولكنه سيشد الساعد اللبناني كي يكون أكثر قوة في مواجهة شراسة الغارات والأحقاد..