تسبب رفع الحكومة المغربية لتحفظاتها على المادتين 9 و16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة، في تجدد الصراع بين الهيئات النسائية العلمانية المقربة من الأحزاب اليسارية وأخرى إسلامية موالية للعدالة والتنمية. ولم تتردد الهيئات النسائية المقربة من اليسار في اتهام العدالة والتنمية باستغلال الدين لأغراض سياسية، وذلك على بعد أسابيع قليلة من موعد الانتخابات التشريعية المحدد في ال25 من نوفمبر المقبل، وقالت هذه الهيئات إن العدالة والتنمية يحاول "تجييش" الشارع المغربي باستغلال هذا الموضوع وإثارة "الفتنة" في البلاد، لرفع شعبيته في الشارع المغربي، مع أنه سبق أن صوت لصالح الدستور الجديد الذي يؤكد على سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية، وهو الأمر الذي نفاه محمد الحمداوي، رئيس حركة التوحيد والإصلاح، الموالية من العدالة والتنمية، حينما أكد ان احتجاجهم على المخالفات التي ارتكبتها الحكومة في هذه الخطوة ينطلق من وجهين: الأول هو لجوء الحكومة إلى أسلوب السرية والتهريب لهذه الخطوة بعيدا عن أنظار البرلمان والمؤسسات الكفيلة بمناقشة الخطوة، في الوقت الذي ينص فيه الدستور على أن رفع التحفظات يجب أن يمر عبر البرلمان، والثاني هو أن الدستور جعل سمو الاتفاقيات الدولية مشروطا بأن يكون في نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، كما ينص فيه على أن الإسلام هو دين الدولة، وهو أول الثوابت الجامعة للأمة بقوة الفصل 1 من الدستور. وتستنكر الهيئات النسائية الموالية للعدالة والتنمية رفع الحكومة لتحفظاتها على هاتين المادتين مع أنهما يخالفان بشكل صريح أحكام قطعية في الشريعة الإسلامية تتعلق بالمرأة. وذهبت جميلة مصلي، رئيسة "مركز الوئام للإرشاد الأسري"، إلى أن الخطوة التي اتخذتها الحكومة برفعها التحفظات على المادتين 9 و16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة أشكال التمييز ضد المرأة غير مقبولة، مستنكرة الطريقة التي اعتمدتها في مراسلة الأممالمتحدة وإخبارها برفع المغرب تحفظاته على المادة 16 من الاتفاقية الدولية الخاصة بمحاربة جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). وأوضحت جميلة مصلي أن الاستمرار في هذا الطريق سيكون مشكلة بخصوص ملاءمة القوانين الوطنية مع هذا النوع من الاتفاقيات. وأضافت أن المغرب والمجتمع المغربي ليس في مصلحتهما الدخول في هذه التناقضات، مشيرة إلى أن اتفاقية "سيداو" ليست عادية، بل أثارت جدلا ليس فقط داخل المغرب، ولكن في العديد من الدول في الشرق والغرب، وأعطت مثالا بالبرازيل والصين والسويد وفرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول التي أبدت تحفظات على بعض المواد بمنطق حماية السيادة الوطنية وأولوية القوانين الوطنية، كما أشارت إلى أن عددا من الدول العربية تحفظت هي الأخرى على المادة 16 لأنها تخالف أحكام الشريعة الإسلامية. غير أن فوزية العسولي، رئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، شنت هجوما قويا على العدالة والتنمية واتهمته باستغلال الدين بتحقيق أهداف سياسية. واعتبرت أن هذا الحزب يدعو إلى الفتنة داخل المجتمع، ويحاول "تجييش" الشارع بتحريك مخزونه الديني، وهو إنما يفعل ذلك لفشله في إقناع المغاربة ببرامجه الاجتماعية والاقتصادية - على حد قولها - ، واستغربت كيف أمكنه أن يثير نقاشا حول هذه المسألة في هذا الوقت الحساس الذي تستعد فيه البلاد لخوض غمار أول انتخابات تشريعية بعد إقرار الدستور الجديد.