اطلع على أعمال قيادة القوات الخاصة للأمن البيئي.. وزير الداخلية يتابع سير العمل في وكالة الأحوال المدنية    19 % نمواً.. وإنجازات متعاظمة للاستدامة.. 3424 مليار ريال أصول تحت إدارة صندوق الاستثمارات    موجز    أكد إطلاق برنامج «ابتعاث الإعلام» قريباً.. الدوسري: طموحات الرؤية تؤمن بإمكانات الإنسان والمكان    أسعار العقار ترتفع شمالا وتتراجع جنوبا    رئيس الوزراء النيوزيلندي: نتنياهو فقد صوابه وضم غزة أمر مروع.. «الاحتلال» يصادق على الهجوم .. وتحرك دبلوماسي للتهدئة    الشيباني: نواجه تدخلات خارجية هدفها الفتنة.. أنقرة تتهم تل أبيل بإشعال الفوضى في سوريا    واشنطن تشرع في تصنيف الإخوان منظمة إرهابية    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان فرص التعاون    بطولة لكرة المناورة ضمن فعاليات كأس العالم للرياضات الإلكترونية    تأجيل انطلاق دوري أبطال الخليج للأندية إلى الشهر المقبل    الشريف يحتفي بزفاف تركي    بحضور الأمير سعود بن مشعل .. العتيبي يحتفل بزواج إبنيه فايز وفواز    فلكية جدة تدعو لمشاهدة نجوم درب التبانة    انطلاق ملتقى النقد السينمائي في 21 أغسطس    «البصرية» تطلق «جسور الفن» في 4 دول    بيئة جازان تنظم ورشة عمل حول الإستفادة من الموارد الزراعية الطبيعية    نائب أمير منطقة جازان يقدّم التعازي لأسرة معافا    تنظيم محدث للّوحات الدعائية والإعلانية    المملكة تدين ما يسمى «رؤية إسرائيل الكبرى»    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين تصريحات رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بشأن "رؤية إسرائيل الكبرى"    وطن يقوده الشغف    حلف شمال الأطلسي يدعم زيلينسكي    تسارع وتيرة التنقيب عن الذهب والفوسفات والبوكسيت محفز قوى للتعدين    النفط ينخفض مع تجاوز العرض مستويات الطلب    ارتفاع مبيعات الإسمنت يعكس مواصلة نمو قطاع البناء والتشييد    إزالة الحواجز الخرسانية بالرياض    المدارس الأهلية مشكلات بلا حلول    سان جيرمان «يجحفل» توتنهام ويحقق كأس السوبر الأوروبي    الصاعدي رئيساً لأحد    البارالمبية الآسيوية تكرّم الأمير فهد بن جلوي بوسام آسيا 2025    متحدثون.. لا يتحدثون    الأمن يحث زوار المسجد الحرام على عدم الجلوس في الممرات    (ولا تتبدلوا الخبيثَ بالطَّيب)    نجاح زراعة 10 كلى تبادلية خلال 48 ساعة في التخصصي    أوروبا تلوح بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران    سعود بن نايف يطلع على مستجدات أعمال "تطوير الشرقية"    فهد بن سلطان يكرم الفائزين بمسابقة إمارة تبوك للابتكار 2025    ناصر بن محمد: شباب الوطن المستقبل الواعد والحاضر المجيد    نتنياهو يفتح ملف التهجير مجددا وسط تفاقم الجوع في غزة    ولي العهد ورئيس كوريا يبحثان العلاقات الثنائية وسبل دعمها    رسمياً .. روان البتيري رئيساً تنفيذياً للاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية    نجاح عملية دقيقة لأول مرة بجازان    "الكشافة السعودية" تُنظم ورشة عن فنون كتابة القصة القصيرة الملهمة    بدء الدراسة المتقدمة للشارة الخشبية في الباحر بمنطقة جازان    أمير تبوك يكرم الفائزين بمسابقة إماره المنطقة للابتكار 2025    تنظيم المملكة للمسابقات القرآنية احترافي يجسد مكانتها في قلوب المسلمين    التوسع في تطبيق مقاييس التوافق قبل الارتباط    إنجاز سعودي.. أول زراعة قوقعة ذكية بالشرق الأوسط وأفريقيا    استخراج هاتف من معدة مريض    «هن» مبادرة لدعم المواهب النسائية في الموسيقى    «الغذاء» تسجيل مستحضر «الريكسيفيو» لعلاج الورم النقوي    أدبي الطائف تصدر الأعمال المسرحية الكاملة للدكتور سامي الجمعان    أمير جازان يعزي في وفاة معافا    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    مباهاة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نزار قباني الشاعر المتمرد.. الشاعر المجنون
الفلز والسمندل
نشر في الرياض يوم 12 - 05 - 2005

لم تدرك الثقافة العربية وهي في فوضى الحداثة الشعرية وتعميماتها، الطابع التمردي لشعر الحب عند نزار قباني، ولا ارتباط شعره بما هو معاش ومحسوس بعيداً عن هذيان التجريد وفوضى الغازه، وإن حاولت حداثتنا تحويل كل ما هو يومي إلى مجرد، وحاولت اضفاء طابع اسطوري على النص الشعري بوساطة الرموز، فإن شعر نزار قباني حول كل ما هو حميمي في حياتنا إلى إسطورة خالدة من: جوارب النساء المخرمة إلى الملابس المرمية على السرير، من رسالة الحب إلى الهاتف، ومن القبلة التائهة إلى القبلة المقصودة، ولذا فقد استحق في ثقافتنا لقب المجنون والتائه والكافر والملعون والمهرج، كما أنه الخارج عن القانون بامتياز.
إن حداثة نزار قباني حداثة مجنونة، حداثة مشردة تبحث عن حب يكشف سراً من أسرار وجودنا وفكرنا، إنها تاريخنا، إنها روحنا وما يهدد روحنا، إنها المختلف في أوضاع الحداثة المتشابهة، وأنكرتها قوانينا الرسمية، انها بحث دائم لدفع هذا الضغط الذي يمارس لتقنين سلطانها على أحلامنا، لقد خلق نزار قباني صدعاً على مستوى العلاقة بين الذات وبين القوانين الاجتماعية والأخلاقية والسياسية، فإن رسمت نماذج أدونيس وأنسي الحاج والسياب وعبدالوهاب البياتي في الخمسينيات قوانين التضاد والاختلاف والصراع والصدمة على المستوى السياسي فإن شعر نزار قباني حقق بشكل عنيف الصدمة الاجتماعية في المجتمع العربي في تلك الحقبة، لقد خلق وظيفة شعرية اشكالية مباشرة أمام الثقافة الاجتماعية، وقد زعزع مفهوم التقنين العاطفي الذي مارسه وعي مجتمع بالكامل وذلك من خلال مسائلته.
لقد اتسمت الحداثة الشعرية العربية بالطابع النقدي، وقد صنع نزار نوعاً من التطابق بين وعي الحداثة الغربية ووعي الواقع الاجتماعي، ومن خلال هذا الوعي المزدوج تعد قصيدة الحب لدى نزار قباني بالتغيير الجذري لموقع المرأة على مسرح الحياة، لقد اتجه النموذج الشعري لقصيدته إلى الموقف النقدي الجذري وهذا ما يبرر الوصلة السياسية في شعره، ذلك لإدراكه التام أن الجسد في حضوره على مسرح الحياة لا يمكنه الانفلات من الطابع الاستهلالي دون نقض البنى السياسية والايديولوجية القائمة بشكل عنيف، لقد أراد نزار قباني تحرير المرأة من أشكال القمع والإرهاب والتقنين التي فرضتها نظم المجتمع، أراد تحريرنا من الخوف والإرهاب والمقاومة الشديدة التي يقوم بها الوعي الاجتماعي على ذات كل واحد منا.
لقد خلق نزار نوعاً من التصدع الكياني في وضع الفرد كذات قابلة للانفصال عن الشروط التي حكمت وجوده من الناحية السوسيوثقافية، وأعاد تصوير هذه العلاقة وأخضعها إلى النقد والتحليل، ومما لا شك فيه أن شعريته منحت المرأة وجوداً كاملاً، وأصبحت حياة المرأة والرجل ضمن شروط الحب والعاطفة معاشة بكل تفاصيلها وجزئياتها، لقد حاول نزار من خلال الاستعارة الكلي زعزعة سلطة المجرد وذلك بالتفاصيل اليومية، التفاصيل التافهة التي تحيط بنا، لقد كان شعره نوعاً من التحول المعرفي الذي تمثل لا في طرح السؤال على ما هو موجود، بل في محاولة تجديد شروط هذا الموجود، لقد كان نوعاً من التصدع الانطولوجي، نوعاً من التمزق الذي صوره نزار في كيان المجتمع بعد خضوعه للتحضر المديني، لذلك استحقت كتبه الطرد والنبذ والتهميش والاحراق. لأن جيل الآباء كان يدرك القوة التي تنطوي عليها القصيدة وذلك بتوافقها مع هذا التحديث الذي اجتاحهم يوماً بعد يوم، وإن وافقوا على الارتكاز وقبول علامات المدينة الذائعة آنذاك: الأكل بالشوكات والمدى، وارتداء البناطيل والكرفتات والفيونكات وركوب السيارات الفارهة إلا أنهم كانت لديهم الرغبة في أن تبقى كتبه مطرودة لأنها تسقط ثبات الحياة التي استمرت بجعل المرأة ضمن شروطها قروناً من الزمان.
في الواقع إن المحمولات التاريخية تتقاطع على جسد المرأة في شعر نزار قباني، لأنه حاول أن يفجر في كلمة (جسد) قوة ايحائية، فهذه المفردات توسع مجال الدلالة لتمس الذاكرة مساً عنيفاً، وتتحول بفضل اثارتها الحسية إلى مجال ساحر قادر بقوته أن يخلق قطيعة مع المرجعية الأخلاقية التي حولت الجسد إلى مخبوء متوتراً وعادياً، فقد تلعب الكلمة هنا بفضل المجال التنظيمي التي تشتمل عليه دور الأسطورة المعاصرة، الأسطورة القادرة على بعث التجربة والكشف عنها، وهذا يعني اسقاط صفة المطلق عن أخلاق العبودية، فالانفصال عن التفكير الجمعي لأخلاق الحب الذي كرسته قرون من العبودية العثمانية والمملوكية: أخلاق الحريم والسراي والبغاء والرقيق الأبيض هي حداثة أخلاقية، فالأخلاق الجديدة بفضل تاريخيتها وبفضل تعاليها على الثوابت التي تآكلت عند حتميتها، تشكل من هذا المنظور الحداثة بمعناها الحصري، الحداثة بمعناها الهائل للحضور الإنساني انها حركة ازاحة وخلخلة، حركة انزياح للمعنى ومحور القيم، انها حداثة مفارقة لما هو كائن، وموجودة طالما هذا الموجود تعطل وتآكل وتفتت، إن لغة الحب هي لغة التجربة الخالصة الإنسانية هي اللحظة الكلية التي تستوعب صورة العالم بكل اطلاقها وشمولها، لقد جعل نزار في شعره للرغبة فضاء وحيزاً، وللجسد فضاء وحيزاً، وجعل للتعبير الإنساني وصروحه فضاء وحيزاً، ونقل لغة الحب من اسراريتها ومنعها وتابوها، إلى ما هو يومي ومعاش، إلى ما هو إنساني وتجربة إنسانية، انها رؤية تتحرك في اتجاهات مختلفة، إنها محاولة للايغال في المتصور النقدي لأن مشروع الحداثة يقوم على المراجعة الدائمة، انه حركة دائمة، ولا ينفصل النقد عن هذه الحركة المؤثرة التي لها قوة السريان والانتشار، إنها القوة التي تهدد المحاكاة وتهدد الاستيهامات والنماذج الراسخة، انها أخلاق جديدة تضع نفسها بديلاً عن أخلاق المحاكاة والتشابه، إنها إعادة إنتاج الأخلاق والتربية التي أصبحت ذات قوة طوطمية، إنها إطاحة للتقليد والاتباع، إنها إطاحة بالأوثان الأخلاقية والشعرية التي اكتسبت صفة القداسة، ولذالك اتهم شعر نزار بالجنون والهرطقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.