نستكمل الحديث عن محاضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز التي ألقاها في الجامعة الإسلامية مساء يوم الثلاثاء 24/4/1432ه الموافق 29/3/2011م. وهي محاضرة مهمة عنوانها: الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية. وكنا تحدثنا في حلقة سابقة عن ستة أفكار من الأفكار التي وردت في محاضرة سموه. الفكرة السابعة تتعلق بنسب آل سعود وأنهم يعودون إلى قبيلة بني حنيفة التي حكمت هذا الوادي، الذي يحمل اسمها منذ عصر ما قبل الإسلام. ومن هذه الفكرة انتقل الأمير إلى أمر مهم وهو وإن كان أساس الأسرة السعودية الحاكمة أساسا قبليا، إلاّ أن إمارة الدرعية التي تأسست في منتصف القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي لم يكن أساسها قبليا، بل تأسست على أساس حضري، باعتبار الدرعية أم القرى النجدية، على أن الأساس الحضري كما قال الأمير قام على قاعدة دينية, وان الدين والشرع استمرا قاعدة للدولة السعودية الثلاث المتعاقبة. الفكرة الثامنة تحدث الأمير فيها عن توسع الدولة السعودية الأولى ونتج عن ذلك احتكاكها مع بعض القوى الإقليمية، التي بدأت تشوه الدعوة، وتسيء إلى الدولة، وتتربص بها الدوائر. وما نتج عن هذا التربص من سقوط الدولة السعودية. وهو يورد هذه الفكرة للعبرة والعظة وليمهد للأفكار التي بعدها. الفكرة التاسعة وفيها تناول الأمير مصطلح الوهابية، الذي ثار حوله لغط منذ القرن الثاني عشر الهجري ولا يزال. وهو أشار إلى أن هذا المصطلح من وضع أعداء الدعوة والدولة. وهو أورد فقرة من خطاب للملك عبدالعزيز الذي بيّن أن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لا يمكن تسميتها بهذا المصطلح لأنها لا تشكل مذهباً جديداً يختلف عن مذاهب السنة الأربعة المعروفة. خمس عشرة فكرة وردت في محاضرة الأمير. وكلها تحمل تأملات تاريخية وسياسية، وتربط بين حاضر الدولة وماضيها. وهو استعمل صيغا سياسية معاصرة، وصيغا فقهية وتاريخية. وفي ظني أنه أراد أن يبين على وجه الدقة عدة مفاهيم الفكرة العاشرة أشار الأمير فيها إلى سقوط الدولتين السعوديتين الأولى والثانية. وأن السقوط لم يؤد إلى موت فكرة دولة التوحيد في وجدان المواطنين، وكأن بذرة عودة الدولة متجذرة في نفوسهم. ذلك أن مبادئ الدولة المركزية القائمة على الدين والشرع لازالت حية في النفوس كما قال الأمير. وهو أضاف أن فلكس مانجان تنبأ بقرب عودة الدولة السعودية. وفلكس مانجان Felix Mengin، مؤرخ فرنسي كتب فصلاً عنوانه: تاريخ الوهابية ضمن كتابه عن تاريخ مصر في عهد محمد علي. الفكرة الحادية عشرة وفيها عاد الأمير إلى فكرة تلحّ عليه، وأراد أن يؤكدها وهي أن الدولة السعودية المعاصرة امتداد للدولة الإسلامية الراشدية. وهو يقصد أن فلسفة الحكم المعاصر في المملكة لا تختلف عن نظيرتها في القرن الهجري الأول من حيث إعلاء كلمة الله، وتحكيم الشرع الحنيف، وخدمة الدين الإسلامي والمسلمين. وهي فكرة مفصلية وردت في معظم بنود النظام الأساسي للحكم في المملكة. الفكرة الثانية عشرة أشار الأمير إلى مسألة اشتراك الأسر والقبائل والبوادي والحواضر مع الملك عبدالعزيز في صناعة الوحدة السعودية المعاصرة، وهو بهذا يومئ إلى لحمة متينة تجمع بين الحاكم والمحكوم. وقد قرأنا في التاريخ ورأينا في أيامنا المعاصرة كيف لعبت هذه اللحمة دوراً حال دون اختراق الوطن والوطنية السعودية، وكيف لعبت هذه اللحمة دوراً في المحافظة على الوحدة الوطنية. الفكرة الثالثة عشرة وفيها انتقل الأمير إلى الحديث عن النظام الأساسي للحكم الذي صدر في عهد الملك فهد - رحمه الله - في سنة 1412ه/1992م وبين الأمير بوضوح ارتباط مواد النظام بالشرع الإسلامي، وهو أضاف إلى هذه الفكرة فكرة أخرى وردت في خطاب الملك عبدالعزيز، الذي ألقاه في محطة العنبرية في المدينةالمنورة عام 1346ه وفي هذا الخطاب أوضح الملك عبدالعزيز علاقته بالمواطن عندما جعلهم كلهم بمثابة أسرته الكبيرة : فكبيرهم أبٌ وأوسطهم أخ، وأصغرهم ابن. فهذه الأبوة والأخوة والبنوة التي تجمع بين الحاكم والمحكوم هي لحمة لا نجد لها مثالاً في أنظمة الحكم المعاصرة. الفكرة الرابعة عشرة تتعلق بفلسفة الحكم في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله. وهو أشار بوضوح إلى أن الملك عبدالله يسير على درب سار عليه أسلافه من قبله. وهذا الدرب مستمد من النظام الأساسي للحكم. الفكرة الخامسة عشرة وفيها ختم الأمير بفكرة كررها أكثر من مرة وهي تشكل مفصلا رئيسيا في محاضرته. وهذه الفكرة هي : شرعية البيعة. وهي شرعية دينية ومدنية. وهي شرعية لها حقوق وواجبات على من اعتنقها. ولا مراء أن شرعية البيعة شكلت قاعدة صلبة للنظام السياسي المطبق في المملكة. وهي قاعدة لا يمكن اختراقها إلاّ في حدود نادرة. ذلك أن الشرع الإسلامي قنن بشكل دقيق العلاقة بين الحاكم والمحكوم حسب مصطلح فقهاء الإسلام، وبالتالي كان التأكيد على هذه الفكرة في هذا الوقت الراهن، إنما يُعبر عن تأكيد الأمير على أهمية هذه الصيغة السياسية التي تجمع بين طرفيْ المعادلة السياسية. والبيعة مصطلح عربي إسلامي لا يوجد له مقابل دقيق في اللغات الأجنبية، واعتاد المترجمون ترجمته بكلمة allegiance وهي ترجمة لا تؤدي معنى الكلمة العربية. خمس عشرة فكرة وردت في محاضرة الأمير. وكلها تحمل تأملات تاريخية وسياسية، وتربط بين حاضر الدولة وماضيها. وهو استعمل صيغا سياسية معاصرة، وصيغا فقهية وتاريخية. وفي ظني أنه أراد أن يبين على وجه الدقة عدة مفاهيم منها: شرعية الدولة، وفلسفة مواد النظام الأساسي للحكم القائمة على امتداد تاريخي يصل به إلى نظام الحكم الراشدي. وأن وحدة المملكة التي صنعها الملك عبدالعزيز هي إحياء للوحدة التي صنعها الخليفة أبوبكر عند توحيد الجزيرة العربية. وبهذا يكون الملك عبدالعزيز ثاني قائد وحّد معظم الجزيرة العربية في دولة مركزية واحده هي: المملكة العربية السعودية.