يختلف حماسنا في وطننا العربي إزاء ما يجري من أحداث متسارعة فاجأتنا وزادت في عواطفنا تجاه التغييرات التي لم تكن متوقعة لكلّ من رصدَ، وتوقعَ أن تأتي العواصف لتقتلع غبن نصف قرن هيمنت عليه أفكار تأميم العقل، ومسخ الإنسان وتهديم مبادراته وكرامته.. المراقب الخارجي يقيس الأبعاد والزوايا، يقدم نفسه محللاً وشاهداً، يتفق أو يعارض ليبني أحكامه على منظور الحاضر والمستقبل، مدققاً في الاتجاهات المختلفة ليخطط كيف يحافظ على علاقة «براجماتية» مع دول المنطقة في رحلتها الجديدة، وقد يدفع بقواته للمعركة كأوروبا وأمريكا تحت غطاء الشرعية، لكن الأهداف الخفية تبقى مخبأة وقادرة على انتهاز الفرص، وهذا ما يميز عقلية إدارة الحوادث والسياسات بمفاهيمها المصلحية. الآن، وفي زخم التفاعلات الحادة، هناك ثلاثة أقطار عربية تمر بحالات متشابهة، تظاهرات في المدن والقرى تطالب بالتغيير، إما بالإزاحة الكاملة للنظام، أو الحوار الذي يتكئ على تلبية مطالب المواطنين، والمعادلة تضع بقاء الزعيم أولاً حتى لو تعمّمت الحرائق والتدمير والقتل لنصف الشعب، وهي معركة ستطول، ونتائجها مخيفة، فحتى من قيل بأنه استعان بمرتزقة، أو شرطة قمع من دول خارجية، يؤكد أن رصيد وطنيته صفر، لأن الاعتداء بهذا الأسلوب هو خيانة عظمى، ولا يختلف عن غزو خارجي، بل إن الأخير يوحّد القوى الوطنية للدفاع عن استقلالها، بينما من يريد حماية كرسيه بأي قوة، يحيط نفسه بعداوة شعبه، وهي مسألة في غاية الصعوبة.. الحوار لم ينجح، وحكاية أن كل زعيم، هو رمز لوحدة وطنه، أو التجزئة، ومن يهدد بأن البديل القاعدة، أو تيارات متصاعدة قبلية ومذهبية، تؤكد أن النتائج السلبية خُلقت في ظل هذه الزعامات، بل إن العوامل التي يهددون بها هي من تراث أفعالهم ونظمهم، لأن هذه البلدان قبل أن تُحكم بالعسكر أو الزعامات مطلَقة الصلاحيات والنفوذ، كانت تنعم بالاستقرار والتلاحم، وبالتالي فالذين يحيطون أنفسهم بالمبررات لم تكن تصلح لمواطنين وعوا شروط حريتهم، وتبقى المسألة خطيرة، إذا ما استمرت حروب الشوارع، وإطلاق حرية القتل كمبدأ للردع.. ومثلما سقطت امبراطوريات وقوى ملكت كافة وسائل الردع، فالزمن تجاوز عقلية التسليم المطلق لمن جعل نفسه وصياً تاريخياً على شعبه، ورفع شعارات استهلكها الزمن، ولعل التعاطي مع اللحظة اليومية المتطورة، والوسائط التي تترجم الحدث وتنشره، كشف عن أي غطاء يستر عورة الأنظمة التي انتهت بفعل تقادمها وضعف قاعدتها الشعبية.. فالمواطن لا يخرج ليموت، وهو لا يفهم لماذا يُقدم نفسه قرباناً للحرية، ومهما طالت قسوة الشرطة والمليشيات، ودروع الوقاية، فإن الشعب هو الأبقى، وهذا أثبتته سجلات الثورات الشعبية، لأن الإرادة الشعبية استطاعت كسر الأقفال وفتح المغاليق، والطور العربي الجديد لن يكون استثناءً من وقائع التاريخ..