عرفت هايتي العنف الجنسي منذ ازمان بعيدة لكن نشطاء حقوق الانسان حققوا تقدماً حقيقياً في محاربة هذه الآفة في السنوات الأخيرة. كانت هاليا لاغونيسي تعتقد أنها لن تعيش لترى مأساتها وابنتها تتكرر مع حفيدتها. قبل سبع سنوات قتل الجنود زوجها وتناوبوا على اغتصابها وابنتها جوان التي لم يتجاوز عمرها السابعة عشرة في ذلك الوقت.لكن حالة اليأس والإحباط التي ملأت حياة هاليا تضاءلت وتراجعت أمام ما حدث لحفيدتها ذات الخمسة أعوام والتي تعرضت لذات التجربة في مارس الماضي. وبدأت قصة الحفيدة عندما استدرجها مغتصبها وأعطاها حوالي نصف دولار لتذهب لشراء أرز وفي طريق عودتها اعترض طريقها وجرها إلى مقبرة مهجورة واعتدى عليها ليغتال عفتها وبراءتها. تساءلت الجدة -50 عاماً- مستنكرة وهي تفرك يديها « كيف حدث ذلك ولماذا؟. هل أثر الواقع الحالي في هايتي على عقول الناس وجعلهم يتصرفون كمرضى نفسيين؟». لا جواب. المرأة الهايتية الأشد فقراً والأكثر حرماناً.. حتى قبل خمس سنوات كان الاغتصاب لا يعد جريمة جنائية خطيرة في هايتي. النساء اللاتي تحركن لسن تشريعات تجرم هذا الفعل قمن ببناء اول ملجأ في هايتي للنساء المعنفات. خطوتهن التالية تهدف إلى فرض قانون يلزم الآباء الاعتراف باطفالهم من ضحايا الاغتصاب والتكفل بنفقاتهم. وتعاني المرأة الهايتية الأشد فقرا والأكثر حرماناً في هذه الدولة التي تعد هي الأخرى الأفقر في نصف الكرة الغربي من سوء المعاملة ولكن برغم هذا الفقر الحرمان حققت الناشطات النسويات مكاسب حقيقية وعملن بحماسة من أجل تقدم قضايا المرأة. وتسبب الزلزال الكارثي الذي ضرب هايتي في قتل مئات الآلاف وبقيت العاصمة بورت او برنس في حالة من الخراب والدمار الذين دفعا باكثر من مليون شخص للحياة في مخيمات بائسة تنعدم فيها أسباب الحياة الكريمة. ولم تنج من الزلزال كذلك الحركة النسوية الناجحة التي تصارع مثل بقية الأمة من أجل استعادة عافيتها برغم أن المرأة ما تزال تتعرض حتى الآن لعنف جنسي مروع. الشابات فريسة سهلة للعاطلين ومتعاطي المخدرات وكان الاغتصاب - وما يزال -آفة قديمة في هايتي واستخدم كشكل من أشكال القمع السياسي في عام 1994 وعام 2004 التي شكلت فترات اَضطراب عندما استولى الديكتاتوريون العسكريون وعصاباتهم على السلطة. وكان الرجال الذين يعارضون النظام في ذلك الحين يتعرضون للاختطاف والقتل أما النساء فكن ضحايا للاغتصاب الجماعي. وهناك جيل كامل من الهايتيين غالبيته من الأطفال ضحايا الاغتصاب. وتمخض الزلزال الأخير عن موجة جديدة من العنف الجنسي حيث تعرضت مئات وربما الآف –لا يوجد إحصاء شامل- النساء للاغتصاب. بعض من هذه الاعتداءات اعتبرت من الجرائم العرضية ولكن يبدو وعلى نحو متزايد أن غالبية هذه الاعتداءات شكل متعمد من اشكال المطاردة والهجوم.ولا تنعم سوى عدد قليل من معسكرات اللاجئين التي تنتشر من خلال هذه العاصمة الممزقة بشيء من الإضاءة ليلاً وليس هناك وجود فعلي للشرطة كما أن الخيام ليست لها ابواب أو عليها أقفال ومزدحمة بشكل غير انساني وليس فيها مكان للخصوصية.وتعرضت الشبكات الاجتماعية ونسيج الأسرة للتمزق والدمار بسبب الوفاة والهرب. وغالباً ما ينشأ الأطفال بدون إشراف من الوالدين – هذا إن كان لهم آباء- لأنهم أي الآباء يقضون معظم وقتهم في تدبير لقمة العيش للأفواه الغضة الجائعة. وساهم أنهيار مؤسسات القانون والنظام في تفاقم حالة البؤس والشقاء. هاليا لاغونيسي قتل الجنود زوجها واغتصبوها وابنتها «جوان» قبل سبع سنوات.. واليوم اغتصبوا «حفيدتها » ذات الخمسة أعوام واصبحت الشابات في هايتي فريسة سهلة للرجال غير المتعلمين العاطلين عن العمل الذين يسكنون في المخيمات وهم يكونون في غالب الاحيان واقعين تحت تأثير المخدرات ولديهم وقت فراغ قاتل. وينظر هؤلاء الرجال إلى النساء والفتيات كصيد. وعمد قادة المخيمات إلى استغلال حاجة النساء للخيام ومواد الغذاء لمساومتهن على شرفهن وطالبوهن بتقديم خدمات غير أخلاقية مقابل ما يقدمونه لهن من خدمات. ويستعد الناشطون لطفرة في عدد حالات الحمل بين المراهقات وانتشار لفيروس الإيدز من عمليات الاغتصاب والممارسات الجنسية غير الآمنة منذ ان دمرت العيادات التي كانت تقوم بتوزيع وسائل تحديد النسل. وتقدر الأممالمتحدة حاجة بورت أو برنس إلى ما لا يقل عن 1000 عيادة لرعاية الأمهات لا توجد سوى عشر منها الآن. وحتى وقت قريب كان الاغتصاب يعد جريمة مخلة بالشرف أو «جريمة عاطفية» ، بمعنى انه مخالفة بسيطة يطلق سراح مرتكبها اذا ما وافق على الزواج من ضحيته. ولكن ذلك تغير بعد عام 2005 حيث أصبح الاغتصاب جريمة خطيرة تحمل عقوبات مشددة وبالإضافة إلى ذلك ، سمح للضحايا الحصول على الرعاية في أي مرفق صحي ، بدلا من المستشفى الحكومي الرئيسي ، ولم تعد المغتصبة تدفع تكاليف الفحصوات التي تجري لاثبات تعرضها للاغتصاب. ولكن برغم كل ذلك، لا زالت وصمة العار تطارد الضحايا وما يزال المجرمين يسرحون ويمرحون بدون محاكمة وحتى يقع منهم في قبضة السلطة لايحاكم وفقاً للقانون.