قبل حلول شهر رمضان في العام الماضي، لفتت الانتباه إحدى الأفكار التي تقوم عليها قصة أحد المسلسلات الخليجية التي سوف يتم عرضها خلال الشهر الكريم، كان ذلك المسلسل هو «زوارة الخميس»، والمسلسل لمن لم يشاهده، يقوم على فكرة تدور حول أسرة كبيرة، تتكون من زوجين يعيشون في بيت كبير مقسم على شكل شقق، يسكنها أولادهما الذكور الأربعة الكبار مع زوجاتهم وأطفالهم. شخصيات مختلفة الاهتمام والتفكير، يعيشون حيواتهم الخاصة، التي تغيب عن اجتماعاتهم الدائمة سواء في وجبات اليوم والليلة أو الاجتماعات العامة مثل جلسات الشاي والقهوة وغيرها، إلا أن ذلك المستور يفقد خصوصيته، مع اجتماع من نوع آخر يعقد في شقة الوالدين، حيث يجتمع الجدان كل ليلة قبل موعد النوم مع أحفادهم الصغار، والذي يروي كل واحد منهم، وقائع أحداث اليوم في الشقة الخاصة بأبويه، حيث يُكوِّن الوالدان صورة عامة عن مجرى حياة أولادهما وحدود المساعدة أو التدخل، في الوقت الذي تغيب عن بقية الإخوة تفاصيل حياة بعضهم البعض. كاتبة القصة وفيما بعد سيناريو الحلقات والحوارات، الأستاذة هبة مشاري حمادة، كان بإمكانها أن تنطلق بهذه الفكرة إلى آفاق أرحب، من تلك التي آلت إليها نهاية المسلسل، حيث شاهد الكثيرون المسلسل وهو يهوي بسرعة حادة في حلقاته الأخيرة، ليتحطم على ذات الأرضية التي تتجمع فوقها أعمال درامية خليجية كثيرة، تشابهت في الكليشيهات المبتذلة، والجداريات البكائية، والأفكار المستهلة عن صراع الخير والشر، وغير ذلك من العناصر التي تشتهر بها الدراما الخليجية في أحوالها المنتكسة، وما أكثرها!. هذه النهاية المأساوية إن صح التعبير، ظاهرة تعاني منها الأعمال الجيدة أو ما بدت كذلك في استهلال حلقاتها الأولى، وعلى الرغم من تكررها فإن المنتجين لا يظهرون أي نوع من الاهتمام، فبما أن المسلسل لفت الانتباه في البدء، فإن البقية مجرد تحصيل حاصل، ولا أدل على ذلك من استمرارهم في التعامل مع تلك الأفكار بذات الطريقة التدميرية، فعندما يقدم أحدهم فكرة لمسلسل، فإنهم يطالبونه بكتابة حلقة أولى، يمكنهم من خلالهم الحكم على فكرته بشكل أدق، ومع استحسانهم لها يشرع الكاتب في كتابة حلقات أكثر، ليبدأ التصوير في وقت مبكر، قبل انتهاء الكاتب من سرد كل الأحداث ووضعها في السياق المناسب حسب ما يراه صحيحاً وملائماً للصورة الكلية لفكرته الابتدائية، ومع بلوغ التصوير مراحل متقدمة، وتضاعف الضغط على الكاتب في الانتهاء من صياغة السيناريو، يمكن إدراك المعضلة التي وقع فيها، ومكمن الخلل الذي قاده إلى التدهور الذي يبين مع الحلقات المتأخرة، وليست الحلقة الأخيرة فقط. لكن المشكلة لا تكمن في الضغط الهائل الذي يتعرض له الكاتب الجيد والذي يقوده إلى التدهور، من خلال تسلسل الأحداث السابق، بل هناك الكثير من الإشكالات التي تحدث داخل كواليس إنتاج المسلسلات، والتي تجعل العمل يظهر في صورته النهائية التي تختلف عما أراده كاتب السيناريو، صاحب الفكرة التي تعتبر حجر الأساس الذي يقوم عليه العمل الدرامي، وبالذات في هذا الوقت الذي تدشن فيه المجموعات الفضائية قنوات خاصة بالدراما، دلالة على الانتشار الهائل للدراما المنتجة في العالم العربي وبالأخص في مصر وسوريا والخليج. هبة مشاري إن استقلال الكاتب مرحلة متقدمة في الإنتاج الفني، وليست ممكنة حتى في الأوساط الأكثر احترافية في العالم الغربي أو الشرقي، والسبب بالطبع قوة شركات الإنتاج ونفوذها الواسع، ما يجعل الكاتب يخضع تماماً لشروط العرض والطلب في سوق الكتابة التلفزيونية، الأمر الذي جعل كثيراً من الشرفاء يأخذون موقفاً مضاداً ومتطرفاً من الكتابة للتلفزيون أو السينما مثل الروائي الأمريكي الكبير سالنجر في رائعته الشهيرة «الحارس في حقل الشوفان». فالمنتج ضمن إنطلاقه من هدف تجاري أساسي، يحسب الإيرادات بغض النظر عن القيمة الفنية التي يمكن أن تقدمها شركته، لذا فإنه يمكن أن يتدخل لما يفترض أنه اهتمام الجمهور أو بالأصح جاذب للجمهور، وربما تجاوز في ذلك الأعراف والتقاليد والمواقف الأخلاقية أو تلاعب بها. لكن هذا لا يبرئ الكاتب مطلقاً، فهو وفي واقع الازدحام بالأفكار المستهلكة في الدراما العربية، محتاج إلى أفكار إبداعية ذات قوالب جديدة ومختلفة، محتاج إلى فرض شروط تليق بشهرته في كل عمل يكتب له النجاح، ويأتي على رأسها الاستقلال والمساحة الزمنية التي تخلق له جواً يتسع للإبداع والابتكار، الجو الذي يدعوه إلى التعامل مع أفكاره بحذر وتقدير للذات، حتى لا يقع في مأزق الغرور أو الاحتراق أو غيرها من مآزق الإبداع.