هناك اتفاق واضح في أدبيات التنمية على العلاقة الهيكلية والإيجابية فيما بين التعليم والعمل تجاه الجميع وخاصة بالنسبة للمرأة، فنظريات سوق العمل تؤكد على العلاقة الكلاسيكية بين التعليم والعمل فمزيداً من الاستثمار في التعليم والتدريب يجب أن يدفع إلى مزيد من الفرص المتاحة للمستثمر وهو هنا الطالب ليجد مزيداً من فرص العمل. فنظرية capital theory human ( وهي إحدى النظريات الإدارية في الاستثمار البشري) تقول على سبيل المثال إن استثمار الإنسان في نوع معين من التعليم ستكون نتيجته زيادة فرصة هذا الإنسان ( رجلاً كان أو امرأة) في الحصول على وظيفة مع ارتفاع في الدخل للارتباط التاريخي بين زيادة التعليم وارتفاع الدخل. ومن المعروف أن تاريخ بدء التعليم للفتاة في المملكة كان عام 1480ه (1960م) حين أقرت الدولة حق التعليم للفتاة وذلك يأتي بعد عشرين عاماً من إتاحته للبنين ولم تكن هذه الخطوة سهلة في البداية وتم إسناد الإشراف على تعليم الفتاة إلى علماء الدين مع بعض الضوابط المتعلقة به والتي تنطلق من تعاليم الدين والمحافظة عليه، وتم افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات في مكةالمكرمة ثم توالت خطط فتح المدارس وتعليم المرأة في جميع أنحاء المملكة. ونظراً للاهتمام الذي يلقاه تعليم الفتاة وإتاحة الفرصة لها بالحصول على التعليم في جميع مراحله من إنشاء الجامعات الخاصة بالفتيات وكذلك إتاحة الفرصة لهن للالتحاق بجميع الجامعات في المملكة والتي تجاوز عددها 29 جامعة بافتتاح أقسام خاصة بالفتيات وكذلك برنامج الابتعاث والذي يتيح للراغبات منهن مواصلة التعليم في أرقى الجامعات العالمية، فالإحصائيات تشير أن هناك 4,6 ملايين طالب وطالبة في التعليم وتشكل الطالبات حوالي 48% من الإجمالي في التعليم الأساسي و50% في التعليم الثانوي أما التعليم الجامعي فيبلغ أعداد الملتحقات من الفتيات 60% من أعداد الملتحقين ( فتيان وفتيات ) وبلغت نسبة الخريجات أكثر من 56% من أعداد الخريجين ( دون أن يدخل في حساب هذه النسبة أعداد الكليات العسكرية والتي لا يسمح للفتيات بدخولها). وعلى الرغم من الجهود الكبيرة في مجال تعليم المرأة وإتاحة الفرصة لها في جميع مناطق المملكة المترامية الأطراف للحصول على مقاعد في المدارس في التعليم العام وكذلك التوسع في التعليم الجامعي للفتيات بإنشاء جامعات خاصة مع إيجاد أقسام لهن في الجامعات الأخرى والتشجيع على ابتعاثهن، الآن الفرصة مازالت محدودة في نطاق ضيق في حصولهن على وظائف وفرص عمل، صحيح أن هناك عدداً من النساء وصلن إلى مراتب عالية وحصلن على شهادات عليا ولم يقتصر هذا على المستوى المحلي بل تعداه إلى المستوى الدولي بحصول عدد من النساء السعوديات على شهادات ودروع عالمية وهذا اعتراف بما وصلت إليه الفتاة والمرأة السعودية. ورغم مساعي المملكة المبذولة في تطبيق عدد من التشريعات ( وكان آخرها التوجيه السامي لوزارة التربية والتعليم باتخاذ التدابير اللازمة والتنظيمية الكفيلة بتأنيث الوظائف في القطاع التعليم الخاص بالمرأة) وتكريس جهودها الهادفة إلى إشراك النساء في سوق العمل لم تتعد نسبة السعوديات العاملات في سوق العمل 15% وهذا يدل على أنه ما زال في المملكة كم هائل من الطاقات الكافية لم يتم استغلالها وإنما حلت مكانها قوى عاملة أجنبية . ومنذ عام 1992م ارتفعت نسبة النساء في المملكة المشاركات في سوق العمل ثلاثة أضعاف حيث وصلت إلى حوالي 14% بعد أن كانت 5% فقط ، وتعتبر هي النسبة الأقل في دول منطقة الخليج، وبالرغم من أن أكثر من 90% من النساء في المملكة العاملات هن من حملة الشهادة الثانوية أو الجامعية فإن هذه الدرجة العلمية لا تضمن للمرأة حصولها على وظيفة، إذ أن حوالي 87% من العاطلات عن العمل يحملن شهادة جامعية بل إن هناك أكثر من ألف عاطلة يحملن شهادة الدكتوراه، خلافاً لذلك فإن 76% من الرجال العاطلين عن العمل في المملكة لا يتعدى مؤهلهم التعليمي المرحلة الثانوية. والقطاع الحكومي هو المجال الأوسع لعمل الفتاة حتى وقت قريب والخيارات المتاحة تتماشى مع السياسات العامة التي تحكم الرؤيا إلى عمل المرأة لتركيزها ضمن القطاع الحكومي في التعليم والتمريض، ولذا فإن 85% من العاملات في المملكة يعملن في القطاع الحكومي ومن هؤلاء 83% يعملن في قطاع التعليم يليه 5% في القطاع الصحي، ولكن ونظراً لانكماش الفرص المتاحة في قطاع التعليم بل وتشعبه حتى إننا نلاحظ التسابق على التعيين في المناطق النائية وتكبد السفر والعناء والتي تدفع للبعض من طالبات العمل التشبت بالفرصة والتي تتطلب الذهاب قبل الفجر والعودة قبل المغرب وتحمّل جميع المخاطر إلا أننا نلاحظ حالياً رصد أعداد كبيرة من هؤلاء الفتيات والباحثات عن فرصة في هذا المجال. لقد كان هناك اهتمام في السابق بالكليات التربوية الخاصة بالفتيات وتم نشرها في جميع مناطق المملكة من أجل تلبية حاجة القطاع التربوي من المربيات والمدرسات حتى تم سعودة هذا القطاع 100% وخاصة في المدن الكبيرة كذلك كان هناك جهود حثيثة فيما يخص سعودة التعليم العالي بطرح برامج الدراسات العليا للبنات كذلك الدفع بقوة بكليات الطب والأسنان والعلوم المساعدة مما جعل 40% من المديرات ورئيسات الأقسام في عدد من المستشفيات هن من السعوديات (وزارة الاقتصاد والتخطيط، مصلحة الإحصاءات العامة). ومن خلال مراجعة الأرقام والإحصائيات بالنسبة للفتاة في المملكة سواء بالنسبة لمخرجات التعليم والفرص المتاحة للعمل نلاحظ أن هناك بعض الخلل في هذه العلاقة إذ أن هناك تركيزاً على الجانب النظري والعمل في قطاعات محددة مما يعني خللاً هيكلياً أثمر في اختناق عنق الزجاجة والذي نشهده بالنسبة للخريجات في هذا القطاع إذ لم تعد المؤسسات الحكومية والتعليمية قادرة على استيعابهن مما يعني تضييعاً لسنوات طويلة من الجهد والعمل دون مردود اقتصادي . ومما سبق يتضح أنه وعلى الرغم من التقدم فيما يخص المرأة في المملكة في مجال التعليم أو الصحة وسعودة قطاع التعليم وظيفياً الآن أن هناك مجموعة من الاختناقات المجتمعة تطال أهم عاملين في حياة أي مواطن وهي التعليم والعمل مما يعني ضرورة مراجعة الأهداف التي بني عليها هذين القطاعين والبحث في الأنظمة والسياسات الخاصة بطبيعة مشاركة المرأة في هذين المجالين، مع عدم إغفال قيام الدولة والقطاعات المعنية حديثاً بإصدار عدد من التشريعات التي قد تساعد على تحسن فرص عمل المرأة وإعطائها بعض الفرص للعمل في القطاع الخاص. إن المؤمل وقد تم إعطاء الفرصة للفتاة للتعليم والحصول على الشهادات العليا والدورات التدريبية المناسبة أن تتبنى مؤسسات المجتمع نظرة مغايرة للمرأة تؤكد أهمية مشاركتها المجتمعية، وعلى الدور الاقتصادي الذي تمثله مشاركتها في سوق العمل بأن تخرج المرأة من النظرة التقليدية بحصرها فقط في أدوارها التقليدية كأم وزوجة ومعلمة والتي إذ ومع ممارسة المرأة لكل هذه الأدوار الأساسية في حياة كافة النساء، إلا أنها يمكن أن تكون طاقة بشرية مثمرة تمثل عوائد إيجابية على الاقتصاد المحلي كما أنه من حق الفتيات أن يجدن عملاً كريماً حين يبحثن عنه، وهذا لن يتم إلا بضرورة أن يكون هناك تغيير جذري في الرؤية إلى المرأة كإنسان منتج لديه من الإمكانيات الشيء الكبير ويضاهي الرجل - مع الاعتراف بالفوارق بينهما - وهذا لن يأتي إلا عبر تحولات ثقافية عميقة يجب أن تتبناها مؤسسات الدولة وتعبر عنها في المناهج والبرامج المطروحة مع أهمية دور وسائل الإعلام المختلفة في هذا المجال بنشر الوعي بأهمية دور المرأة في المجتمع واعتبارها منتجاً والعمل على نشر النماذج الرائدة من النساء وحث جميع القطاعات الحكومية على تنفيذ القرارات فيما يخص عمل المرأة وتشجيع القطاع الخاص على ضرورة إتاحة الفرصة للاستفادة من الفتيات السعوديات المؤهلات. والله من وراء القصد ،، * مستشار إعلامي بوزارة الثقافة والإعلام