هيّأ لي تأخر تاريخ نشر حديث الأربعاء أن أمتلك الوقت الكافي لأطلع على تعليقات بعض الصحف العربية والأجنبية على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الأخيرة. عليّ أن أعترف أنني فوجئت بالمبادرة فور إعلانها، لا لأنني لا أتوقع مبادرة من الملك عبدالله، وهو صاحب مبادرات متعددة تطال الشأن العربي والدولي، ولكن لأن الوضع في العراق وصل على درجة من الاختناق لم يعد قابلاً لأي تدخل لإصلاح ذات البين. كان عدد كبير من المهتمين بالوضع السياسي العراقي يشعرون بأن الوقت قد فات، ويكاد العراق ينزلق في فتنة أمنية سياسية إلى جانب ما يعانيه من فتن أخرى. ومع هذا فقد وجدت أغلب التعليقات ترحب بالمبادرة وتعقد عليها آمالاً واسعة. يقول المعلق السياسي في الواشنطن بوست إن دعوة الملك عبدالله تتميز بأنها موجهة لكل فئات الشعب، بصرف النظر عن دينها أو مذهبها أو عرقها أو أرومتها هذا شيء جميل ويعني بداهة ألاّ تحزب أو وقوف مع أو ضد طرف مهما صغر شأنه في السنوات القليلة من هذا العقد أطلق الملك عبدالله المبادرة العربية ومبادرة الطائف ومبادرة مكة، وكل المبادرات، بشهادة المجتمع الدولي، لقيت قبولاً وساعدت ولا تزال تسعى في حلحلة الوضع العربي والإقليمي. وتأتي دعوته حفظه الله كطوق نجاة للفرقاء في العراق الذين لم يستطيعوا الوصول إلى نقطة الاتفاق على تشكيل الحكومة العراقية. يقول المعلق السياسي في الواشنطن بوست إن دعوة الملك عبدالله تتميز بأنها موجهة لكل فئات الشعب، بصرف النظر عن دينها أو مذهبها أو عرقها أو أرومتها هذا شيء جميل ويعني بداهة ألاّ تحزب أو وقوف مع أو ضد طرف مهما صغر شأنه. ولاحظت أن معظم الصحف العربية والعالمية التي اطلعت عليها تنقل تميّز وانفراد المبادرة،. وهذا شيء جميل. يلمس المرء في لغة النداء حميمية وصدقاً، ودفئاً في العواطف ومحبة، إضافة إلى واقعية سياسية. على أن ما يميز النداء خلوه تماماً من مصالح ذاتية ضيقة. وقال لي مثقف أتواصل معه عبر شبكة الإنترنت إنه سيحصي ردود فعل الأحزاب العراقية ودول الجوار، ويتمعن في تعليقاتها، وهو يرغب في معرفة أين مكمن الخطأ والصواب تجاه هذه الدعوة الكريمة؟ وبعد يومين أرسل لي ما يفيد أن 80% من الفعاليات السياسية العراقية مع المبادرة، وأن دول الجوار مع المبادرة ما عدا إيران. وقريب من هذا الرصد قالت به جريدة الأهرام المصرية. وأياً يكن الأمر فليس المتوقع من إيران أن تقبل أو تؤيد المبادرة. ومما تتميّز به المبادرة إشراك الجامعة العربية. وفي نظري أن هذه الخطوة تؤكد ثلاثة أمور: الأول أنه لا يوجد أجندة سعودية مخفية خلف هذه المبادرة، والأمر الثاني هو إشراك الجامعة في مساعدة العراق على تخطي أزمته السياسية الطويلة. وهي جامعة طالما تجاهلها الآخرون عمداً أو تقصيراً، ثم يأتون يكيلون لها التهم والتقصير، ويسعون لتفكيكها وتحويلها إلى جامعة لدول الجوار. والأمر الثالث يرغب صاحب المبادرة أن تصبح المبادرة مبادرة عربية، لكل الدول العربية، ليفهم العراقيون أن المبادرة تنطلق من حرص سعودي وعربي خالص لا تشوبه مصالح على الأرض العراقية. وسبب هذا أن بعض دول الجوار وبعض الفعاليات العراقية السياسية تشتكي من غياب عربي واضح، ومن أن الساحة العراقية تُركت لقوى مجاورة تسرح وتمرح فيها. وقرأت تعليقاً في صفحة الفيس بوك لمشارك سمى نفسه بمحب العراق، وأعجبني قوله إن مبادرات الملك عبدالله لا تحمل نفَساً إقليمياً ضيقاً، ولا تحمل منفعة أو مصلحة شخصية. هذا صحيح. انظر إلى معنى المبادرة الأخيرة. لم يكن التهديد الذي قد يطال المملكة من الانفلات الأمني في العراق هو سبب إطلاق مبادرة الملك عبدالله فحسب. حدود المملكة مع العراق تُعد حدوداً آمنة، ولم تشهد اختراقات، ولم تشهد مواجهات أمنية، ولم تتخذها الجماعات المسلحة مأمناً أو ملاذاً، ولم تشهد عبوراً ومساندة لوجستية لفريق ضد آخر. وقارن تلك الحدود بالحدود العراقية مع دول الجوار وستجد النتيجة صارخة وواضحة. المملكة وقفت موقفاً حياديا ً، مسألة الأمن في السياسة السعودية تأتي في مقدمة المسائل، ولهذا السبب لم تعِد الرياض فتح سفارتها في بغداد لأسباب أمنية، وليس لها مصالح وأجندة مخفية تعمل عليها ومن أجلها. لقد ران زمن طويل لم تستطع الأحزاب العراقية أن تشكل حكومة وطنية، وهو زمن لم يحدث له شبيه على مر التاريخ. وسبب هذا العجز أن الأحزاب العراقية ضعيفة ومشتتة، ونظرتها متفاوتة. وسبب آخر أن القوى الخارجية التي تعمل من داخل العراق عاجزة عن فرض إرادتها والدفع بالعملية السياسية نحو تشكيل حكومة، مهما قيل عن قوة بعضها منفردة أو مجتمعة. وهذا دليل آخر يبين أن القوة على الأرض لا تصنع وحدها السلام. أما هذه المبادرة فالأمل كل الأمل معقود عليها، والأمل أن يتداعى فرقاء العراق المتعدد إلى كلمة سواء، ويأتوا إلى الرياض في أيام العيد المبارك، يأتوا كما قال الملك عبدالله لصنع صفحة تاريخية ناصعة. ذلك أن هذه المبادرة لا تحمل إلاّ هماً واحدا: سلامة العراق وصيانته ووحدة أرضه وشعبه. وهي مبادرة تعيد الفعل العربي إلى الساحة العراقية مقروناً بالثقل السعودي المعروف. هذه مبادرة بمثابة الطريق الجديد لخروج أزمة العراق من عنق الزجاجة.