أطوار التاريخ العربي الحديث تعد أكبر التجارب للنماذج الأيدلوجية والسياسية، وغرابتها أنها تجرب ولا تستوعب أو تستفيد من أخطائها، ومثلما عجزت الانقلابات عن أن تشكّل دولة ناجحة بمنطق عصر التنمية والتطور، ورفع مستوى الشعب، دخلت المنظمات والأحزاب إلى الخنادق المتعرجة بمراهنتها وأساليب عنفها، ورؤاها الضيقة.. في الستينيات، وما بعدها بعقد من السنين، تحولت مراكز العنف المؤدلج من منظمات «بادر ماينهوف» والجيش الأحمر وقوى يسارية عربية تعاونت بشكل مفتوح إلىالتدمير وخطف الطائرات والمسؤولين، وإعلان الحرب على كل ما هو يميني ينطق باسم الغرب، وكان الداعم والراعي، والمخطّط هو دول المنظومة الشيوعية التي كانت أهدافها أن تبني عالم «اليوتوبيا» الاشتراكية، والتي لا تنفذ إلى العدالة المطلقة إلا بتدمير الامبريالية الرأسمالية، فسقطت حكومات وأحزاب خارج المداريْن الرأسمالي والاشتراكي عندما تحولت بيئة العالم الثالث إلى ميدان حرب بين خصمين يتفرجان علىالمعارك الدائرة باسميهما، ولا يخسران شيئاً.. تلك المنظمات، وإن اختلفت العقيدة، بين المنظمات الإرهابية المعاصرة بأن الأولى مؤدلجة بالمادية التاريخية وحتمية انتصار العمال، ولا يعنيها من الأديان والقوميات أي رابط سياسي أو عقائدي، بينما من يعلنون باسم الدين الإسلامي التكفير والإرهاب، والقتل بدعوى التماشي مع العقيدة الصالحة وفق تفكيرهم، يلتقون مع اليسار على نفس الهدف، أي اختراع الخصم وقتله أو تدميره، والغريب أن البيئة المنشودة التي توظف لإجراء تلك العمليات، ظلت من أوساط الشباب، والمراهقين وفقاً لمبدأ أن التلقين، وسهولة غسل الأدمغة لهذه الفئات، ودمجها في العمليات التنفيذية، ستكون الأداة السهلة للقولبة والانتماء الأعمى! الأغرب من ذلك كله أن ميلاد تلك المنظمات، يمينها ويسارها، خرج من الرحم العربي والإسلامي، وجميعها تنتمي إلى منطلقات أممية شمولية، ولا يعنيها كيف تقوم المراحل التاريخية، ولا قياسات فكر المجتمعات؛ بحيث تنظر إلى من يقف معها أو يضادها، بل ظلت تسير في ليلها المظلم ومبدأ تحطيم الخصم هو الغاية والنتيجة.. قد يقول شخص ما كيف تجمع العنصر الشيوعي مع الإسلامي، وهما على تضاد وحروب عقائد؟ والرد أن الموضوع لا يتصل بجمع النار بالماء، بل بأحداث تاريخية يقودها سلوك يجمع طرفيْ العلاقة حول المنطلقات والأهداف، أي أن الشيوعي أمميّ بمنطقه وأهدافه، والإرهابي المسلم يختلف من حيث العقيدة والفكر، ويلتقي مع الغاية والطروحات، ولعل ما حدث بعد الثورة الإيرانية عندما كان اليسار العربي القومي والشيوعي، هما أكبر من بشر بأمميتها، أن جاء تأييدهما إلى حد الرؤية بأنها امتداد لفكر استراتيجي يلبي طروحات اليسار ومنطلقاته..