في القرن الخامس قبل الميلاد حمل لنا الفن صرخة قديمة لامرأة مكلومة، واجهت من الظلم ما ليس من طاقة الإنسان. كان قد مر على شكواها حين نقلها الكاتب ما يزيد عن ألف عام، وكان صوتها ما زال يصم أذنيه فقرر أن ينصفها ولو بتخليد ذكرها، حتى وان كانت قد ماتت من ألف عام، أكاد اسمع ذات الصرخة اليوم بعد انقضاء ما يقرب من أربعة آلاف سنة. لم تفلح في أن تغيب الصورة أو الصدى.. هل لأن حظ المرأة لم يكن قد تغير من الزمن القديم حتى اليوم؟ أربعون قرناً من مسار الإنسانية تغيرت على دروبه الحياة والإنسان والجماد، نشأت حضارات وأزالتها حضارات جديدة، وتوالت انجازات الإنسان في البر والبحر والجو، وفي الوعي والفكر والتحضر، وتوالت ثقافات صقلت من قلبه وعاطفته حتى أصبح جديرا بوجوده الإنساني، وتوالت قوانين تم سنها لتحكيم العدل ودرء الظلم.. تغير كل شيء ولم يتغير حظ المرأة وحدها. المرأة القديمة كانت قد أحبت وأخلصت، وضحت بما لا يتصوره إنسان بالأهل والوطن والأصحاب ، إكراما لمن أحبت لكنه رد الجميل بالجحود والنكران فهجرها إلى أخرى وتركها معلقة في فضاء الضياع بلا وطن ولا أهل.. هي قصة ميديا الرائعة التي نقلها لنا ولزمنه كاتب مسرحي من القرن الخامس قبل الميلاد وأنا لا أنقلها أو أعيدها ليومنا هذا من القرن الحادي والعشرين الميلادي وأنا أعيد قصة نشرتها صحيفة الوطن قبل أيام! امرأة عربية الدم والجنس مسلمة الدين جاءت ذات يوم لزيارة بيت الله الحرام ولسبب ما تخلفت ربما لأن رجلا كان قد أغراها بالبقاء وربما لان حلما لتغيير حياتها وواقعها قد داعب خيالها لقرب المنال وربما لأنها جاهلة لا تعرف قوانين البلد الذي حلت عليه ضيفة وربما بقيت عمدا وعارفة بكل العواقب، هذا لا يغير من الأمر شيئا، فهي قد تغيبت في " عصمة رجل سعودي" تزوجته وقد تكون حبته وضحت من اجله ببساطة، والرجل " الزوج" مهما ادعى عدم علمه بنظم وقوانين المملكة لا يصدق أحد إلا أن يكون قد قدم العذر الأقبح من الذنب، تلك هي أخلاقه التي عرّفنا بها من تنكره للمرأة، فبمجرد أن وقعت في شباك تعقب المتخلفين من الحج والعمرة سارع إلى طلاقها بالسجن كمن يمحو آثار الجريمة، كان قد عاش معها ثمانية شهور زوجة على سنة الله ورسوله ، نهل منها متعته وبهجته أو حتى عانى منها أشكال الخلاف والنكد، لا تهون ولا ينبغي إلا على إنسان بالصفات التي قدمها عن نفسه وربما لو تقدم بشجاعة بأوراق الثبوتية كزوج للمرأة أن نال رأفة أصحاب القرار فمنحوه إذنا بذلك الزواج وان رفضوا حفظ للعشرة كرامتها وعزتها فسمحوا له بإخراجها إلى بلادها من البيت الذي عاشت فيه وليس من السجن ، وان كان أكثر شهامة من هذا الحد لم يقبل الزواج من خلف ظهر الدولة مثله مثل أي مرتكب لجريمة، فتقدم بطلب السماح له بالزواج وجاهد حتى يحصل عليه. المملكة لها نظمها وقوانينها التي تحمي اختلاط الأنساب والدم حق مطلق للدولة والأجيال والمخالف لها لا بد أن ينال جزاءه سواء كان من أبناء البلد أو المقيمين والزائرين، ولكن حالة هذه المرأة قد بقيت بحلمها الإنساني وبجهلها الحقيقي بنظم بلد غريب عليها، بينما افلت المخطئ الأساسي بالنكران والجحود وبادعاء الجهل بنظم بلاده وهو العارف بها معرفة اليقين ، وحملت المرأة خطايا زوجها بحظها المنكود.