واشنطن: خطة إنهاء حرب أوكرانيا ليست قائمة أمنيات روسية    تحرك أميركي وشيك ضد فنزويلا    حول العالم    الشحن السريع لا يضر البطارية    روبوت صيني بقدرات بشرية    الأمن البيئي يتأهل لنهائي بطولة وزارة الداخلية لكرة القدم    نيوم يوقف سلسلة انتصارات التعاون في الدوري السعودي بتعادل مثير    أتلتيكو مدريد يهزم خيتافي بالنيران الصديقة في الدوري الإسباني    وزارة الثقافة تحصد جائزة أفضل مشروع ثقافي في المملكة    العيد يستعيد دور التلفزيون والإذاعة في تشكيل الوعي السعودي    افتتاح متحف التاريخ الطبيعي في أبوظبي    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    قهوة الصراصير والنمل تجتاح الصين    الكبد الدهني يضاعف خطر الوفاة    معوقات إدارة الجودة الشاملة    الحوكمة في الشركات والقطاع العام: ماذا نخسر بدونها    الزيارة العابرة للزمن    ختام كأس البادل للنخبة والدوري مطلع الشهر القادم    وزير الخارجية: نواصل العمل مع G20 لتعزيز منظومة اقتصادية أكثر شمولا    تحت رعاية ولي العهد .. وزير العدل يفتتح المؤتمر العدلي الدولي الثاني    UNIDO: السعودية أنموذجا لتحقيق صناعة مستدامة    مدير عام فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بجازان المهندس أحمد بن محمد ال مجثل يلتقي بموظفي الفرع    مستشفيات د. سليمان فقيه ضمن قائمة أفضل المستشفيات المتخصصة في الشرق الأوسط لعام 2026    فريق طبي بمستشفى جازان العام ينجح في علاج حديث ولادة يعاني من تشوّه خلقي رئوي كبير    أمير جازان يطّلع على برامج ومبادرات جمعية التغذية العلاجية بالمنطقة    وزير العدل: نعمل على انتقال البورصة العقارية إلى هيئة العقار    نيابةً عن ولي العهد.. وزير الخارجية يشارك في جلسة اليوم الثاني لقمة مجموعة العشرين    أمير نجران يستقبل القنصل العام لجمهورية فرنسا    سامي الجابر يقسو على أسلوب إنزاغي    أمير الرياض يستقبل مدير عام السجون المكلف    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    نائب أمير حائل يستقبل نائب الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام "إخاء"    أمانة القصيم تودّع سيتي سكيب بعقود استثمارية ب 45 مليون ريال    قنصل عام فرنسا بجدة يستضيف خريجي الجامعات الفرنسية في أمسية مميزة ب«دار فرنسا»    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد أول ظهور للنسر الأبيض الذيل في السعودية منذ 20 عاما    افتتاح متحف البحر الأحمر بجدة التاريخية في 6 ديسمبر    دوريات الأفواج الأمنية بمنطقة عسير تقبض على شخص لترويجه (23) كيلو جرامًا من نبات القات المخدر    عريس يشارك فرحته مع المحتاجين    منديل كشافة شباب مكة على صدور المديرس وهجاد وعمر    البرهان: شكراً محمد بن سلمان.. شكراً ترمب.. الرياض تفتح أبواب السلام بالسودان    وسط ضغوط أمريكية وأوروبية.. جنيف تحتضن محادثات سلام أوكرانيا    في الجولة ال 12 من الدوري الإنجليزي.. ديربي لندني مرتقب يجمع آرسنال وتوتنهام    الهلال يقلب الطاولة على الفتح بثنائية    دكتورة سعودية ضمن القادة العالميين المؤثرين    أحمد أمين يصور«النص 2» مطلع ديسمبر    «وسم الثقافي» يكرم الشاعر أبو زيد    الإسكندراني يستعرض تاريخ الأغنية السعودية    موجز    هنأت الرئيس اللبناني بذكرى استقلال بلاده.. القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة إبراهيم بن حمد    القيادة تعزي ملك مملكة البحرين في وفاة سمو الشيخ إبراهيم بن حمد بن عبدالله آل خليفة    الداخلية: إهمال الطفل يعرضك للمساءلة القانونية    العقيل يحتفل بعقد قران عبدالله    ملصقات العقوبات في مرافق الصحة.. مخالفة    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشطر المفقود في الحكايات الشعبية
شفرة الحكاية
نشر في الرياض يوم 09 - 12 - 2009

تُركِّز الحكايات الشعبية على الغائب والمفقود والمَخفي والخارق للعادة كعناصر مهمة من عناصر التشويق وجذب انتباه المُتلقي، فالغموض بشكل عام هو ما يُضفي على الحكايات الشعبية ألقاً وسحراً لا يمكن مقاومتهما، ودائماً ما تُقابلنا في الحكايات أبوابٌ موصدة تحتاج إلى فتح، وأشياء غريبة يجب معرفة ماهيتها، وألغاز أو أسرار غامضة تحتاج إلى حلول ناجعة وسريعة، ويجتهد كل راوي في ابتكار وسائله المتنوعة لحل عقدة الحكاية بشكل مُثير للدهشة والإعجاب.
وسأتحدث هنا عن وسيلة يلجأ إليها الراوي الشعبي كعنصر مُختلف ومتميز لحل عقدة الحكاية، وسيأتي ذلك من خلال عرض نموذج من حكايات (أساطير شعبية من قلب الجزيرة العربية) للشيخ عبد الكريم الجهيمان، والإشارة إلى حكاية أخرى تشترك معها في عناصر جوهرية وفي استخدم راويها لنفس الوسيلة أو التقنية وهي حكاية مقتل الزير سالم (المهلهل) ؛ وتتمثل تلك الوسيلة في اتخاذ الشطر الشعري المفقود من الحكاية كشفرة يُسهم إيجادها في كشف سر غامض وتوجيه مسار الحكاية نحو نهاية مُرضية للسارد ومُدهشة للمتلقي، ففي حكاية (جمعان وزوجته وصديقه) التي ترد في الجزء الثالث من أساطير شعبية يقوم البطل (جمعان) برحلتين: الأولى تُهيئ لحدوث المشكلة، والثانية يكون هدفها حل المشكلة ذاتها بالبحث عن (الشطر المفقود) أو الشطر الذي يحوي (سر الأسرار) بحسب عبارة البطل، وتبدأ رحلة جمعان الأولى بعد زواجه مباشرة لقضاء حاجة في بلاد بعيدة، ولا يجد من يستأمنه على زوجته أفضل من صديقه الودود، فيعطيه بعض النقود ويوصيه خيراً بتلك الزوجة، وفي أحد الأيام يخضع الصديق لإلحاح زوجة جمعان بالدخول وتناول "فنجال قهوة جاهز"، فيدخل إلى بيت صديقه المسافر بنيةٍ حسنة وقصد شريف، ولكن الزوجة الخائنة قصدها غير شريف، وعندما يتأكد له قصدها يحتال عليها ويطلب منها إحضار القهوة والشاي لما بعد ذلك، ويستغل الصديق المتورط فترة خروجها إلى المطبخ ويكتب على أحد جدان الغرفة البيتين التاليين:
رُب عذرا تزينت فأتتني
ودعتني لوصلها فأبيتُ
لم يكُن طبعي العفاف ولكن
...........................
ويترك الصديق الوفي مكان الشطر الثاني من البيت الثاني فارغاً ويتسلل هارباً خارج البيت، ويستمر بعد ذلك في تأدية واجبه تجاه زوجة صديقه بحذر كبير، وعندما يعود جمعان من سفره يلاحظ مصادفةً الأبيات التي خطها صديقه على الحائط، وتُحدثه نفسه بأن الشطر المفقود يحوي سراً خطيراً، وحينما تُعييه الحيل وتكل قريحته عن إيجاد شطر مناسب تبدأ رحلته الثانية بعرض القصيدة على الشعراء الذين يقفون عاجزين عن إنشاء شطر مُكمِّل للبيتين، ويُخبره أحد الحكماء بأن البيتين لا يقدر على إكمالهما سوى شخص من بني فهم الذين يسكنون في أحد أودية الحجاز، فيرحل جمعان ويحل في مضارب بني فهم ضيفاً على شيخ تبدو عليه إمارات الشهامة والذكاء، ويستدعي الشيخ ابنته الصغرى التي ترعى البهم ويعرض عليها البيتين، فتفكر قليلاً وتؤكد له ولضيفه بأن الشطر المفقود ينبغي أن يكون:
كُنت خِلاً لبعلها فاستحيتُ
وعندما تصل الابنة الكبرى التي ترعى الغنم مع غنمها يكون استنباطها للشطر المفقود مطابقاً لاستنباط أختها الصغرى، فيعود جمعان إلى وطنه حاملاً همه وتعبه وحاملاً الشطر المفقود أو (الشفرة) التي تدله على خيانة زوجته.
وتتفق هذه الحكاية في بنيتها وفي جزئيات كثيرة منها مع حكاية مقتل الزير سالم (المهلهل) التي يرى كثيرون بأنها حكاية أسطورية أدخلها الرواة على سيرته، ففي حكاية مقتل المهلهل نجد بأن ابنته الكبرى تفشل في اكتشاف الشفرة التي حمّلها والدها المقتول للعبدين القاتلين، فحين وصل العبدان إلى دار المهلهل وأخبراها بموته ميتةً طبيعية وأنشداها البيت الذي أوصاهما بتبليغه لها ولأختها وهو:
من مبلغ بنتيَ أن أباهما
لله دركما ودرُ أبيكما
لا تستطيع إدراك وجود نص مخفي أو غائب عن الأنظار، ولكن أختها الصغرى التي تفوقها ذكاءً تُدرك ذلك الأمر وتقول: "المصراع الأول يحتاج إلى ثاني، والثاني يحتاج إلى من يكمله، ولا يليق أحدهما بالآخر"، وتخبر من حولها بوجود جريمة قتل وبأن البيت ينبغي أن يكون بهذا الشكل:
من مبلغ بنتيَ أن أباهما
أمسى قتيلاً بالفلاة مُجدلا
لله دركما ودرُ أبيكما
لا يبرح العبدان حتى يُقتلا
فكما نرى ففي الحكايتين يتم اكتشاف الشطر المفقود ومطابقته مع الشطر الموجود بواسطة البنت، مع أن المُهمة في حكاية مقتل المهلهل أصعب بكثير لغياب شطرين لا شطر واحد، وكذلك فمغزى الحكايتين متقارب نوعاً ما، وهو
الجهيمان
التأكيد على أهمية الفطنة والذكاء، وعلى أن اكتشاف الجريمة (الخيانة/القتل) أمر حتمي حتى لو استغرق ذلك الأمر جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً.
أخيراً يُمكن أن يُذكرنا اتفاق هاتين الحكايتين في مسألة تطابق الشطر المفقود مع الشطر الموجود، وأثر ذلك في حل عقدة الحكاية بتطابق (الحذاء) مع (القدم) في حكاية سندريلا المشهورة وإسهام ذلك التطابق أو التناسب في الوصول بالحكاية إلى الحل، وإلى نهاية مُدهشة وممتعة تعقب رحلة حافلة بالتشويق وبالأحداث العجيبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.