"ما عندك واسطة؟" سؤال يدور في خلد الكثير من الشباب في الوقت الراهن بعد تخرجهم من المرحلة الثانوية والجامعات، وهم يتطلعون للمستقبل المشرق بتفاؤل وأمل كبير ليصطدموا بعد ذلك بالواقع المرير عند توجههم إلى سوق العمل. وهناك من يرى أن "الواسطة" تلعب دوراً فاعلاً وتسهم بشكل كبير في هجرة العقول إلى الخارج، بعد فقدان أمل من لا يمتلكها في الحصول على وظيفة في وطنه وبين أهله، مشيرين إلى أنها تعتبر الخطوة الأولى إلى سلم الرشوة، والسبب الرئيس في انتشار الفساد الإداري. وكشفت دراسة محلية أن ظاهرة "الواسطة" وتزايد خريجي التخصصات "النظرية" يشكلان أبرز سلبيات تنمية الموارد البشرية في المملكة، لافتة إلى أن ذلك يعزز جملة من المعوقات الأخرى، المتمثلة في غياب وجود رؤية موحدة لإدارات تنمية الموارد البشرية. وأفصحت دراسة أعدها منتدى الرياض الاقتصادي، بعنوان "رؤية لتنمية الموارد البشرية"، ضمن سلسلة دراساته الداعمة لتشخيص القضايا الاقتصادية الوطنية، وإيجاد الحلول والتوصيات المناسبة، أن من بين معوقات تنمية الموارد البشرية ضعف التنسيق بين الوزارات ذات العلاقة بتنمية الموارد البشرية، وغياب وجود رؤية موحدة تعمل من خلالها تلك الوزارات، مما أدى إلى وجود خلل في إدارة عملية تنمية الموارد البشرية. ويؤكد الكثير من الشباب ل(الرياض) على أن الواسطة هي الطريقة الأسرع في الكثير من الأحيان والأضمن للحصول على وظيفة، خصوصاً من يحمل تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل، منوهين بعدم توفر فرص وظيفية للمؤهلين في تخصصات نادرة، معللين ذلك إلى مجاملة سوق العمل للأجانب على حساب المواطنين. الخبرة وسنة التخرج في البداية، قال أحمد المنصور إنه سمع من أحد أصدقائه عن وجود وظيفة علاقات عامة شاغرة في شركتهم والتي تعتبر من كبرى الشركات في المنطقة، وأنه لملم أوراقه وشهادته متوجهاً إليها، مبدياً امتعاضه من الأسلوب الجاف للموظف أثناء المقابلة الشخصية، مشيراً إلى انه طلب منه خبرة 5 سنوات على الأقل رغم أنه متخرج منذ سنتين. وأكد على أنه أصيب بخيبة أمل وصدمة كبيرة وإحباط شديد بعدما وصل إليه نبأ توظيف شخص آخر لا يمتلك أي خبرة ويحمل تخصصاً بعيداً عن العلاقات العامة، مضيفاً: "وهذا ما يؤكد أن "المحسوبيات" أو "الواسطة" قد تحرم الكثير من أمثالي". الواسطة تنهي المعاناة! ويوافقه الرأي سالم محمد (26عاماً) مؤكداً على أنه لم يستطع الحصول على وظيفة ولو بمرتب 1500 ريال رغم حصوله على شهادة دورات في اللغة الانجليزية والكمبيوتر، ومحاولاته العديدة مع جهات حكومية وخاصة. وقال:"وصلت إلى حالة شديدة من اليأس بعد خمس سنوات من معاناة البحث عن وظيفة عسكرية أو مدنية شاغرة، مشيراً إلى أن مشكلته انتهت بالواسطة والحصول على وظيفة في إحدى الدوائر الحكومية". وانتقد الشاب محمد سعيد(22 عاماً) ما آلت إليه الظروف من ضرورة تدخل "وساطات" تسعى في الكثير من الأحيان إلى جمع المال بطرق غير مشروعة عبر توظيف شباب غير مؤهلين، مؤكداً على أن ذلك قد يتسبب في حرمان أصحاب المؤهلات بعد تعب مضن وجد واجتهاد خلال مسيرتهم التعليمية، وخيبة أمل بعد أن يجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل. وقال رغم أنني من التيار المعارض لاستخدام الواسطة، إلا أنني ربما اضطر لاستخدامها في حال وجدت أن جميع الأبواب موصدة في وجهي، وسأسعى جاهداً إلى الاستغناء عنها بالجد والمثابرة. وتخالفهم الرأي (سارة 24 عاماً)، مؤكدة اقتناعها التام بالواسطة -بعد أن كانت ترفضها بشدة-، وأن جميع الفرص ستتبخر عنها إن لم تلجأ لاستخدام الواسطة، مشيرة إلى أن المجتمع هو الذي فرض على الشباب تقبلها كظاهرة طبيعية، مضيفة: "أختي تخرجت مؤخراً من الجامعة وبتفوق ولكنها لم تتمكن من الحصول على وظيفة، بينما زميلاتها اللاتي يحملن معدلات منخفضة تحصلن على وظائف مختلفة بسبب فيتامين " واو" (الواسطة)". وقالت: وهذا ما يوضح أن هناك قناعات ورفض لمبدأ استخدام الواسطة لدى الكثير من الشباب، وخصوصاً من يحملون شهادات جامعية لاعتقادهم بأنها ستكون خير معين لهم دون الحاجة لأي "وساطات"، إلا أن واقع الحال قد يحتم عليهم اللجوء إليها خصوصاً وهم يرون غير الكفئ قد تحصل على وظائف هم أحق بها. الحكم الشرعي وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بأن "الواسطة" التي تترتب عليها حرمان من هو أولى وأحق بالتعيين فيها من جهة الكفاية العلمية محرمة شرعاً لما يترتب عليها من تولد الضغائن وظنون السوء، واعتداء على الأمة بحرمانها ممن ينجز أعمالها ويقوم بشئونها في هذا الجانب على خير حال إضافة لما يترتب عليه من مفاسد. من جهته، ذكر ل (الرياض) أكرم عبدالله أنه كان ومجموعة من زملائه في العمل في انتظار أن ينظم إليهم موظف جديد لإدارة إحدى المهام في قسم المحاسبة، وقال: كانت المفاجأة أن من تم تعيينه لا يفهم شيئاً في الأمور الحسابية، كما أنه لا يحمل مؤهلات وخبرات في نفس المجال وغير متخصص أبداً في الأمور الحسابية. وأكد على أن الجو أصبح مشحوناً بين الموظفين، وذلك لعدم رغبة أي منهم في تدريبه، مضيفين: كيف لنا أن ندرب شخصاً حصل على الوظيفة عبر الواسطة بينما جميعنا تكبد عناء الدراسة ودخل في منافسات قوية للحصول على هذه الوظيفة!.