كنا في طريق عودتنا لجدة بعد زيارة قصيرة مفعمة بالروحانية للمدينة المنورة وكنا نسابق الوقت كي لا نتأخر عن موعد رحلتنا عندما فاجأتنا ابنتي برغبتها شراء حبَك ونعناع المدينة! "الآن؟" صحنا جميعا بصوت واحد! لابد من حبك المدينة على ما يبدو والذي بحثنا عنه في كل أماكن المنطقة المركزية ولم نجده. وعند إصرارها أخذنا سائق التاكسي الشاب إلى سوق حلقة في يوم جمعة والشوارع مزدحمة وحملنا كرتون الحبك إلى المطار بينما بادر هو بشرح معالم الطريق متطوعا، وعند الوصول رأيته يجادل ابني عند دفع حساب الأجرة بدفع يده الممدودة بإلحاح صديق فسألته بعدما جلسنا في مقاعدنا "ما المشكلة هل كان يريد أكثر؟ ابتسم "لا بل كان يرفض الزيادة التي عرضتها عليه، تصوري؟ "فقلت ولكنه كان يستحقها بعدما أخذنا للسوق وانتظرنا، غريب أن يرفضها قال الابن "انه ابن بلد شهم ويعتز بقيمه".. الصراحة أننا احترمنا موقف ذلك الشاب والبيئة الإنسانية الجميلة التي تعزز ملامح تلك القيم وهي في حالة تفاعل حتى في ابسط صور العمل وتواضعه خاصة وانه يتعامل مع أغراب لا يرجو منهم إلا ذكرا طيبا وهذا ما حدث بالفعل. بعد هذا الموقف ببضعة أسابيع سمعت عن حالة تفاعل من نوع آخر وعلى مستويى أكبر يدهشني أنها ما زالت تحدث رغم تنامي ثقافة الحقوق الإنسانية واحترامها ووعي الشباب باحترام الذات والآخر وهي باختصار تخص حالة غش علني بجدارة بطلها رجل أعمال بشهادة دكتوراه اتفق مع مجموعة عمل – فتاتين وشاب - خريجي احدى الجامعات بالخارج تخصص هندسة تصميم داخلي ليقوموا برسم واشراف لمطعم بثلاثة طوابق بكل تفاصيله مما استغرق كل وقتهم وجهدهم ولأن صاحب العمل ذو طبيعة مذبذبة ويقوم بتغيير رأيه كثيرا فقد قام بتغيير المقاول عدة مرات مما استدعى تغييرات في خرائط التصاميم وطرق تنفيذها مما عطل سير العمل بدوره وبعد مدة زمنية طويلة – سنة وثمانية شهور – وعند اكتمال ثلاثة أرباع تصميم المكان تشجع فريق العمل وطالبوا رجل الأعمال بالدفعة الثانية لأجرهم حسب العقد المبرم بينهم بعد أن تأخر كثيراً فماطلهم أولا ورفض أن يرد على مكالماتهم ولكنه أخيرا وافق على الاجتماع بهم بعد أن توقفوا عن العمل وفوجئوا به وهو يعلن عن عدم استحقاقهم لذلك الأجر معللا رأيه بأنهم لا ينتمون إلى شركة وأنهم تسببوا في تأخير العمل وخسارته! فذكروه بأنه كان يعلم بأنهم لا ينتمون لشركة عندما طلبهم للعمل وان تغير المقاولين هو الذي تسبب بالتأخير بناء على قراراته وتفاصيل عملية أخرى تثبت براءتهم من تهمة التسبب بالخسائر كما يزعم ولكن كل ذلك لم يشفع لهم فما كان منه إلا حثهم على إكمال مهمة التصاميم وقد بقي القليل وهو سوف يفكر بالأمر! وتقول المهندسة المسؤولة عن عمل الرسم الهندسي بالكمبيوتر "الأوتوكاد" :"الغريب انه كان يردد لنا دائما في البداية تعابير مثل انه وطني ويشجع شباب الوطن الموهوبين وانه يعتز بهم وبإعطائهم فرصة لظهور عملهم بدلا من استئجار خدمات شركات معروفة" اتضح الآن انه كان يريد تنفيذ العمل بدون مقابل فالشركات الكبرى والمعروفة مدعومة من ناحية الحقوق والمكانة ولن يجرؤ على تحديهم أما هم الشباب المبتدئ فياغافل لك الله ومضوا يحكون عن مواقف مماطلة للأخ مع مهندس أجنبي احضر الكراسي المطلوبة مع الأقمشة بعد أن اختارتها مجموعة الشباب ولكن سكرتيرة صاحب العمل هاتفت المهندس الأجنبي وكررت اسطوانة لطالما استخدمتها من قبل: "مستر ألان لا يوجد بيننا عقد عمل لن يكون بإمكاننا إعطائك أية أموال sorry" ولكن المستر ألان كان مستعدا للموقف على ما يبدو وقال لها في تهكم "اذهبوا وامنحوا هذا الصداع لأحد آخر، عندي أشياؤكم ولن أسلمها قبل أن أستلم حقوقي!". طبعا اتصل به الأخ صاحب العمل وأعطاه حقه المادي فورا بينما تحصل مهندس آخر وافد عربي عومل بنفس الأسلوب على حقوقه بعد أن اشتكى لديوان المظالم الذي أنصفه أمام ظلم واستهانة صاحب العمل بحقوق الغير أما أصحابنا شباب الوطن المتعطش للعمل واثبات الذات فآخر مرحلة تفاوض وصلوا إليها مع الأخ رجل الأعمال الفاضل هو قراره – فلوس ما راح أعطي عليكم إكمال مهمة العمل وسوف أمنحكم مكافأة على هذا الجزء الأخير فقط! وجهد كل العمل الأول؟ ليس هناك شيء بعدما قرر صاحب العمل كل شيء!! ما نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل.