لعبت المناطق الاقتصادية الخاصة دوراً كبيراً في دفع عجلة الاقتصاد والتنمية في كثير من دول العالم المتطور والنامي، وتعتبر الصين من أكثر الدول استفادة من هذه التجربة. ففي عام 1980م بدأت منطقة شينزن كأول منطقه اقتصاديه خاصة في الصين واستطاعت ان تتحول من قرية صيد صغيرة الى واحدة من اكبر واضخم التجمعات الاقتصاديه في العالم وتمكنت من تشكيل مفهوم المناطق الاقتصاديه الخاصة , وقد شكل الناتج المحلي لشيزن80 مليار دولار في عام 2007م، ويبلغ دخل الفرد في هذه المنطقة خمسة أضعاف دخل الفرد في الصين عموماً حيث يبلغ في هذه المنطقة 10.916 دولاراً مقارنه ب 2000 دولار في باقي مناطق الصين. وعدد سكان المنطقة يبلغ حوالي 9 ملايين نسمه بمساحه تقارب 2000 كيلومتر يغطي النطاق العمراني 400 كيلومتر منها. ويعود سبب نجاح هذه المنطقة الى البيئه التشريعيه المرنة ، بالإضافة إلى وجود كيان اداري وقانوني مستقل لادارة المنطقة، ووجود مراكز لخدمة كبار الشركات والمستثمرين, كما أن الموقع الاستراتيجي للمنطقة ساعدها لان تكون محور ربط وذلك بانشاء شبكة متكامله مع الموانئ القريبه والطرق , بالاضافة الى مطار دولي استطاع في عام 2007م أن يستوعب 20 مليون مسافر. إن الاستقلال التام من حيث القوانين التجارية والاقتصادية و المالية والضريبية مكن من خلق بيئة تنافسيه على مستوى العالم, كما ان توجه ادارة المنطقة لبناء تجمعات صناعيه تركز على صناعة الاتصالات والحاسب الآلي والأجهزة الرقميه والادويه عززت مكانة هذه المنطقة الاقتصادية. كما ساعدت المبادرات الاخيرة التي اطلقتها المدينه ك (مبادرة الابداع الوطني) و (مبادرة اعادة التصنيع والبيئه)، ساعد في تشكيل بيئة خصبة لتجربة هندرة اللوائح والقوانين التجارية والاقتصادية الجديدة ، وتمكنت من تشكيل بيئة تنافسيه تمخضت من المناخ الصحي الجاذب للاستثمار. كل هذه العوامل جعلت 141 شركة من اكبر300 شركة في العالم تختار شينزن كوجهه استثماريه ، كما أصبحت مقر توزيع لكثير من الشركات حول العالم مثل توشيبا و ايبسون وزيروكس وتتنج هذه الشركات الكبيرة من شينزن حوالى 21% من اجمالي انتاجها حول العالم. كما استحوذت شينزن على مكانة مالية مرموقة كنتيجة طبيعة للنمو الاقتصادي المتميز للمدينه حيث تستضيف شينزن أكثر من ثلث عدد المؤسسات المالية الموجودة في الصين ووجود سوق تدوال خاص بالمدينة يتدوال فيه اسهم اكثر من 540 شركة. وكان من السلبيات التي صاحبت بناء هذه المنطقة أن الجانب التعليمي للمدينة لم يكن حاضرا في الخطط الأساسية، وبينت إحدى الدراسات أن كثيراً من الطلاب في المنطقة يذهبون الى مدارس في هونج كونج، وعملا نحو جعل المنطقة بيئة تنافسيه مستدامة ، كان لابد من الاستفادة من الثروة البشرية و تحسين الانتاجية والتركيز عليها كمركز قوة ، وبناء على ذلك قامت ادارة المدينه باستحداث منظومة تعليم متقدمه وتأسيس مؤسسات تعليميه حديثه تمكنت من تكوين قاعده علميه و بناء ثماني جامعات علمية وبحثية وعدد كبير من المدارس والمعاهد.و مازالت تواجه ادارة شينزن بعض الصعوبات من ناحية ديموغرافية المدينه، ويرجع ذلك الى عامل التطور السريع حيث ان معظم سكان المدينه بين عمر 15- 59 ويشكلون 89% ، بينما 2% للسكان اكبر من 59 و 9 % بين 0 – 14 مما ادى الى غياب الخدمات المتخصصه للاقليات العمرية. من ناحيه أخرى, أصبح واضحا وجود طبقتين من السكان, الطبقة المتعلمة (20% من حملة الدكتوارة في الصين يعملون في شينزن) والطبقة غير المتعلمة مما ادى الى اختلال في التوازن الاجتماعي و تفاوت نمط الحياه من ناحية الخدمات العامه والاسكان وغيرها. واستفادت الهيئة العامة للاستثمارمن تجربة الصين وخاصة تجربة شينزن في تكوين وتشكيل صيغة المدن الاقتصاديه المتكاملة، حيث تتشارك المدن الاقتصادية المتكاملة في مفاهيم واساسيات كثيرة مع المناطق الاقتصادية الخاصة، إلا أن مدننا الاقتصادية، وان بدا للوهلة الأولى أنها نموذج للمناطق الاقتصادية الخاصة فهي ليست كذلك، فهي في الحقيقة مفهوم جديد عالمياً يجمع مابين المقومات الاقتصادية للمناطق الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة. وإذا أخذنا في الاعتبار تجربة شينزن, فإننا نرى وجود نفس المبدأ من ناحية المساحة الضخمة ومن ناحية تركيز اقتصاد هذه المدن على التجمعات الاقتصادية التي تم اختيارها بناء على المزايا التنافسية المتوفرة في المنطقة حيث سيتم التركيز في المدن الاقتصادية في المملكة على الصناعات المعتمدة على الطاقة وعلى الموقع الاستراتيجي على مفترق الطرق بين اوروبا وآسيا حيث تهدف المدن الاقتصادية الكبرى الى ان تكون محوراً لوجستياً عالمي عن طريق بناء الموانئ والمطارات وربطها الفعال بشبكة الطرق والقطارات ، كما اعتمد مبدأ المدن الاقتصادية على زيادة دخل السكان وتوفير الوظائف المنافسة عالميأ والمشاركه في زيادة الناتج المحلي. وبالاستفادة من نجاحات منطقة شينزن وغيرها من مناطق مشابهة في العالم تخطط الهيئة العامة للاستثمار لاستحداث تنظيمات خاصة بالمدن الاقتصاديه الكبرى وحوافز اضافية للمسثمرين , ومنها الحوافز الضريبية و ايضاً تحسين اساليب تقديم الخدمات الحكومية والتسهيلات لجميع المستثمرين بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة عن طريق مراكز الخدمة الذكية وايضاً وجود مجموعة من الخدمات ذات القيمة العالية والتي سترفع من مستوى تنافسية القطاعات المختلفة داخل المدن الاقتصادية الكبرى كالخدمات الشخصية والخدمات العامة والخدمات الصناعية. اختلفت مدننا الاقتصادية عن تجارب الصين بأن نموذج التطوير بها يعتمد على الشراكة مابين القطاعين العام و الخاص ، حيث يقوم القطاع العام بالاشراف على التطوير وتحسين البيئة الاستثمارية وجذب الاستثمارات وتوفير الامن ومصادر الطاقة وغيرها بينما يتم تنفيذ وتطوير هذه المدن من خلال المطورين من القطاع الخاص مما يؤدي الى سرعة بناء هذه المدن الاقتصادية الكبرى. وبخلاف منطقة شينزن اعتمدت المدن الاقتصادية الكبرى ومنذ البداية جميع العوامل والمبادئ التى تؤدي الى انشائها كمدن متكاملة , ومن هذه المبادئ: - مبدأ الحياة الاجتماعية و مبدأ اسلوب الحياة وسيتم ذلك من خلال توفير العديد من العوامل الجاذبة للأسر كالخدمات العامة (الرعاية الصحية والنقل والتعليم), وذلك ينطبق ايضاً على جاذبية البيئة من حيث المظهر والأمن والخدمات السياحية والترفيهية وفرص التجديد الثقافي ، ومن أهم الأمثلة على ذلك منطقة المنتجعات والمرافق السياحية في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ومنطقة الاحياءالسكنية. - مبدأ المدن الصديقة للبيئة حيث تتعاون المدن الاقتصادية مع مؤسسات ومعاهد عالمية في مجال البيئة بهدف تطوير المدن الاقتصادية بأقل العوامل السلبية المؤثرة على البيئة، وقد تم تدشين (مركز حماية البيئه) مؤخرأ في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية. - توفير التعليم والتدريب المتخصص في مراحل مبكرة لتلبية احتياجات المستثمرين في المدن، والذي لم يكن حاضرا بشكل كامل في المناطق الاقتصاديه الصينية. وسيتم ذلك في المدن الاقتصادية في المملكة عبر عدة آليات التي تضمن استفادة المواطنين من فرص العمل للوظائف الاساسية والوظائف ذات الجودة العالية في كل مدينة بداية من تخصيص منطقة تعليمية في كل مدينة اقتصادية مثل المنطقة العلمية والبحثية في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ومراكز الأبحاث والمنطقة التعليمية ومراكز التطوير العلمي و مجمع طيبة للتقنية والاقتصاد المعرفي في مدينة المعرفة الاقتصاديه وتأسيس مدينة كادر للتدريب في مدينة جازان الاقتصادية ، والتي ستساعد على تأهيل الموارد البشرية وتوظيفهم في المدن الاقتصادية بناءً على احتياجات الشركات المختلفة ، وذلك عن طريق ادراج الموارد البشرية في برامج تعليمية وتأهيلية في مراحل مبكرة بالتعاون مع جامعات ومؤسسات عالمية. - مبدأ المدن الذكية والذي سيكون فرصة فريدة غير مسبوقة للنهوض بالتنمية التقنية وبناء بنية تحتية من الطراز الأول لتقنية المعلومات والاتصالات, ولاسيما ان المدن الاقتصادية تبدأ من الصفر ، ما جذب لها كبريات الشركات العالمية في قطاع تقنية المعلومات. باحث في وكالة المدن الاقتصادية الهيئة العامة للاستثمار