قيل عن هذا الكتاب إنه الدراسة الوحيدة حتى الآن عن العلاقة بين سلطة الدولة والذاكرة التاريخية والحكم التسلّطي في العراق الحديث، (مذكرات دولة) لمؤلفه إريك دافيس، (أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة رتجرز)، والصادر خلال العام الجاري عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، ترجمة حاتم عبد الهادي. يبحث هذا الكتاب في التغيير الاجتماعي في البلدان المنتجة للنفط، وفي الأثر السياسي والاجتماعي والثقافي للثروة النفطية في الكشف عن الكيفية التي حاولت من خلالها النخب السياسية استغلال ثروة كهذه من أجل تقوية الدولة، وبشكل خاص عن طريق بذل الجهود لتخصيص تطور معين للماضي وللإنتاج الثقافي، وكان العراق من بين الدول المنتجة للنفط هو المثال الأكثر أهمية بالنسبة لظاهرة استخدام مال النفط في مشروع (إعادة كتابة التاريخ). ويتساءل إريك دافيس عن ماهية العلاقة بين سلطة الدولة والذاكرة التاريخية ومدى أهمية هذه الذاكرة في تعزيز سيطرة وشرعية النخب السياسية الحاكمة، ويناقش هذه العلاقة في سبعة فصول تتضمن دراسات موثّقة عن النخبة الثقافية العراقية، وانحدار الدولة الملكية، وتناقضات المجتمع المدني بين عامي 1945و 1958، وثورة 14تموز 1958، والصراع على الذاكرة التاريخية، وسطوع نجم ذاكرة الدولة ( 1968- 1979)، ثم أفولها (1979- 1990)، وفنون المقاومة، وصولا إلى العراق بعد حرب الخليج الثانية. ويتوقف دافيس عند ظواهر العنف في العراق الحديث، وكيف اعتمد حزب البعث ايديولوجيا قومية تحقق هيمنة الدولة على المجتمع، وتحتوي وجهات نظر المعارضة. هذا فضلا عن تهميش جماعات إثنية وطائفية لتحقيق الهيمنة. كما يشير إلى سعي البعثيين لتشويه سمعة خصومهم وقيامهم بحملة دعائية لتركيز الخطاب السياسي على شخصية صدام حسين. واستنادهم إلى الازدهار المادي والاستقرار السياسي النسبي اللذين تمتع العراقيون بهما خلال السبعينيات... وعلى الرغم من كل ذلك، فشلت جهود الدولة في أن تجعل نفسها قوة مهيمنة في المجتمع العراقي، وما انتفاضة عام 1991إلا دلالة على ذلك، فضلاً عن الهجرة الضخمة من البلاد للطبقة العراقية الوسطى (كل من يملك ما يكفي من المال للمغادرة)، حتى غدا المجتمع العراقي من أكبر المجتمعات النازحة في العالم. وفي التحليل النهائي يتوصل اريك دافيس إلى أن العراق لم يكن دولة قوية في ظل حكم حزب البعث، وانه ليس بإمكان الدول فرض رؤية هيمنية للسياسة على المجتمع من خلال الإصطفاء والتقريب بالمال والترويع الجسدي، إذ ليس بإمكان الهيمنة ان تكون ناجحة إلا إذا عثرت على جذور لها في المجتمع وليس في أجهزة الدولة، ومع أن الدولة البعثية قد بنيت على الأحاسيس الثقافية القائمة في المجتمع العراقي عندما جاءت إلى السلطة.