سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الطياش: تطور وسائل مواد البناء أدى إلى تجرد المباني من الفنون المعمارية للعصور السابقة فن العمارة يعبر عن الأفكار والأحداث الاقتصادية والدينية والسياسية:
قال المعماري الدكتور خالد بن عبدالعزيز الطياش ان تجرد المباني مما كانت تحتويه قديما من زخارف ونقوش جاء نتيجة لعدة عوامل من ابرزها تطور مواد البناء، اذ ان هذه النقوش تعطي قيمة معمارية عالية وتعبر رمزيا عن افكار واحداث المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والدينية والسياسية. واوضح الطياس ان هناك تغييرات جذرية تعرض لها فن العمارة في العصر الحديث قلصت من ارتباطه المعماري في العصور السابقة بسبب تقدم علوم الهندسة والانشاء واساليب الصناعة ونجاحها في ابتكار مواد جديدة ومنتجات جاهزة ووسائل مبتكرة في القيام بعمليات التنفيذ والتي ساهمت في القدرة على تعدد الأدوار وبناء ناطحات السحاب، لافتا الى أن للانشاء الهيكلي دوراً كبيراً في تنفيذ المساقط المفتوحة التي لم تكن تتحقق الا به. وذكر الطياش ان لكل حضارة وعصر اسلوباً خاصاً في الحياة وطريقة في العيش ضمن عادات وتقاليد جماعية تكونت تحت ظروف ومؤثرات سياسية واقتصادية ودينية جعلت للعصر صفات عامة مشتركة أعطت المباني اشكالا تميزها عن مباني العصور الأخرى، اذ اعتبر المعماريون في تلك العصور ان الأشكال قد أصبحت رمزية واتخذت معاني خاصة لدرجة انهم لا يفكرون في استبدالها من أجل التعبير عن مادة جديدة وربما كان السبب في اننا اليوم لا نحافظ على أشكال وزخارف جمالية خاصة هو انه ليس لنا في عمارتنا الحديثة تقاليد طويلة ورموز معينة في العمارة والشيء الذي نفتخر به الآن ونحاول التعبير عنه هو مدى التقدم الذي وصلنا اليه بالعلم والتكنولوجيا الانشائية ومدى تأثير ذلك على الإنشاء والعمارة، ولكن هذا التقدم ليس ذا صبغة معينة بل هو عالمي الطراز لا يعبر عن منطقة دون أخرى. ولفت الطياش الى أن الفلاسفة وعلماء الأجناس البشرية عللوا الزخرفة والزينة والتكلف في مباني العصور السابقة بانها كانت لأسباب كثيرة منذ بداية الانسان بالسكن في الكهوف حتى سكن القصور والقلاع العظيمة في اوروبا وغيرها من البلدان ان اسباب ذلك تكمن في عدة دوافع من اهمها ما كان يعتقده الانسان البدائي من ان للأشكال والزخارف قوة سحرية تقيه المخاطر وتحميه من الاعداء وتجلب له القوة وتضمن له السلامة وما زالت بعض المباني في وقتنا الحاضر مزينة بأشكال معينة على الأبواب الخارجية في واجهاتها كحذوة الفرس او اكليل شجر الغار او كلمات وشعارات دينية معينة. وتقليدا منه لما حوله من كائنات حية كان أحيانا يستعمل جلودها او ريشها في تزيين نفسه للتشبه بها ولتخلع عليه الصفات التي يعجب بها في تلك الحيوانات ويريد مثلها لنفسه وهذا يجعله جزءا هو الآخر من البيئة والطبيعة العضوية، واعطاء عناية خاصة لأدواته ومصنوعاته التي بذل الجهد في تشكيلها واتقانها واضفى عليها اشكالاً زخرفية وجمالية تزيد عن الهدف الوظيفي الذي صنعها من أجله كاضافة الألوان والأشكال على أدوات الصيد وأواني الأكل والملابس ومدخل المسكن ومن ثم اعجب بتلك الأشكال والألوان التي رسمها فكررها واصبح بينه وبينها تقارب روحي ورمزي شكلت فيما بعد اشكالا مقدسة لديه ترمز الى اشياء كثيرة في ذهنه. كما تشمل الدوافع تلبية لنداء الجنس وجذب افراد الجنس الآخر واستلفات انتباههم كما تفعل الحيوانات والطيور في موسم التزاوج بفرد ريشها او نفخ صدورها ولعل صبغ الجسم بالألوان المختلفة وتزين الرأس بالريش دليل على ذلك لدى الإنسان البدائي، وتصريف للزائد من قوته حيث ان لديه الوقت الكافي لعمل اكثرها مما تتطلبه وظيفة الشيء كما نلاحظ في مباني العصر الحديث فقد خلت من الأشكال والزخارف الفنية المعبرة التي كانت مسيطرة في العصور السابقة على كل المباني ويرجع ذلك الى عدم وجود الوقت الكافي في عصرنا الحديث لعمل مثل تلك الاشياء وكان الوقت في العصور السابقة كافيا لعمل اشكال وزخارف والتفنن في واجهات المباني وفي زخرفته الداخلية وفي تشكيل حجراته. وقال الطياش انه بعد ان بدأ الاسنان في ملاحظاته الدقيقة لتلك الزخارف تحولت غايته بها الى احترام واعجاب فاعاد استعمالها عن قصد متأثرا بالوساوس والأوهام او معجبا بنظامها وايقاعها ولما يراه فيها من انعكاس للقوانين المحركة للكون او لمعان واحاسيس اخرى لا يعرف لها تعريفا والنتيجة تدهشه وتسره، وهذا قبل ان يكون للانسان فكر او منطق ولو كان الفن قد اخطر إلى الانتظار الى أن يدرك احد معناه الداخلي ويضع له التفسيرات والنظريات فربما ما استطاع الانسان ان ينتج فنا الى يومنا هذا، فكلما ارتقى الانسان من حالته البدائية فقد صلته بالطبيعة واصول الأشياء وبتدخل العقل تبدأ الرغبة في التعليل والتفسير ووضع النظم والقواعد والتي من نتيجتها تعطيل مواهب الغريزة الفطرية وخضوعها للقوانين التي تحد عمل الابداع والموهبة لذلك فعمارتنا وعمراننا الحديث يفتقد الى كونه غير معبر وخال من القيم والأصالة التي تميز المجتمع وتكون طابعه وطرازه. وبين ان الأشكال والزخارف في العمارة نشأت من اعتبارات دينية ورمزية ومن مدى حب الناس في عصرنا للزينة والنقش والبذخ او تقشفهم وبساطتهم، كما تنشأ من النظام والتقييم من عناصر كانت انشائية اصلا فاذا فقدت وظائفها اثناء التطور تحولت وحافظوا عليها بالرغم هذا التحول من دور وظيفي عملي الى دور شكلي ديكوري او زخرفي اصبحت تستعمل كوحدة واحدة او وحدات متكررة واغلب مظاهر تلك الزخارف الكرانيش الاغريقية والشرفات وفي عمارتنا التقليدية نجد الشرفات والمثلثات البارزة في العمارة النجدية تزين بيوت معظم المنطقة الوسطى كان لها وظيفة ثم الى جانب وظيفتها اصبحت من أدوات الزخرفة الجمالية واصبحت طابعا مميزا لعمارة المنطقة فيما بعد. واضاف: "خلال القرون الماضية طغت الأشكال الزخرفية على العمارة وزاد الاهتمام بها وأصبحت تخفي عيوباً كثيرة في المباني وكان لابد لتطوير العمارة من تجريدها من تلك الزخارف والأشكال التجميلية، فظهرت العمارة التجريدية الخالصة في العصر الحديث واختفت معها الزخارف والاشكال الجمالية الأخرى ومع اختفائها بدأت مظاهر الرمزية في الاختفاء حيث لا يشكل المبنى الآن المجرد من تلك الزخارف والأشكال الجمالية اي رد فعل رمزي او عاطفي لدى مشاهديه". وافاد الطياش بان المباني في الوقت الحاضر اصبحت استعراضاً لتكنولوجيا البناء والتشييد واصبح التركيز اكثر على الارتفاعات وواجهات الالمنيوم واصبح الفن العمراني والمعماري اكثر قوة واقل انسانية وتباعدت المسافة بين الانسان والعمارة وزاد الاغتراب بينهما اصبحت مساكننا الآن تحتوينا وقبل كنا نحن نحتوي مساكننا بداخلنا.