في أمسية فنية استثنائية، كرّمت جمعية الثقافة والفنون بجدة الفنان الكبير يوسف الجراح، بحضور نخبة من المثقفين والإعلاميين، وجمهور غفير امتلأ به مسرح الجمعية، في احتفاء تجاوز الطابع البروتوكولي ليغدو تجربة إنسانية وفنية متكاملة. حيث لم يكن التكريم مجرد لحظة عابرة، بل لوحة حيّة اجتمعت فيها الفنون لتقول ما تعجز عنه الكلمات. واستُهلت الأمسية بجولة للفنان يوسف الجراح في صالة الفنون الجميلة، عبر معرض «حِرفة» الذي وثّق الحِرف السعودية بعدسة الفن والوعي. هناك، وقف الجراح متأملًا الصور، محاورًا الفنانين الفوتوغرافيين والتشكيليين، من بينهم المصوّر محمد محتسب، في حوار صامت بين الصورة والذاكرة، والمكان والإنسان. وضمن لحظة التكريم، قُدّم للجراح بورتريه تشكيلي من إبداع الفنانة نوال العمري، بوصفه قراءة بصرية لملامح الإنسان قبل الفنان، في إشارة إلى عمق التجربة الإنسانية التي شكّلت مسيرته. بعد ذلك انتقل الجميع إلى المسرح، حيث قُدّمت فقرات فنية متنوّعة، حضرت فيها الموسيقى بعزف للفنان سعد الحارثي على آلة الساكسفون، فيما جاء الغناء مشاركة وجدانية لا عرضًا، حين التقى صوت الفنان محمد عبدالله شفيق، نجل الموسيقار الراحل محمد شفيق، بصوت الفنان يوسف الجراح في أغنية «أنستنا». لحظة غنائية صادقة، تمازج فيها الفرح بالحنين، وغلبت الدموع الفنان الجراح في مشهد إنساني نادر، لامس مشاعر الحضور. السينما حين تُروى السيرة بالصورة.. وشاهد الحضور الفيلم التعريفي بجمعية الثقافة والفنون بجدة، أعقبه العرض الخاص ب «عِطر السيرة وفنّ المسيرة»، الذي قدّم قراءة بصرية لسيرة الفنان يوسف الجراح، بعيدًا عن التسلسل التقليدي، معتمدًا على الذاكرة والصورة بوصفهما أداة سرد. كما شارك الشاعر الطفل الموهوب جاسر الأحمدي بفقرة شعرية ترحيبية، وقدّمت الفنانة الصغيرة لانا عرضًا مسرحيًا غنائيًا تفاعليًا شاركها فيه الفنان يوسف الجراح بروحٍ أبوية محبة، فيما قدّم المتألق عبدالحميد فقرة فن ال«بوب بيكس»، في تجلٍّ لتنوّع المواهب وحيوية المشهد الفني. واستُهلت الأمسية باستقبال تراثي قدّمته فرق الفنون الشعبية بقيادة الفنان خالد جمالي، وبمشاركة الجسيس فيصل يماني والجسيس طارق بخاري، في مشهد احتفالي نابض استحضر روح المكان ودفء الذاكرة الحجازية. جلسة حوارية واعترافات إنسانية.. وفي الجلسة الحوارية التي أدارتها الإعلامية سهى الوعل، عبّر يوسف الجراح عن شكره وامتنانه لمدير الجمعية محمد آل صبيح، ولكل من شارك في هذا الاحتفاء، متحدثًا عن مسيرته الفنية، وابتعاده في مرحلة ما عن المسلسلات، موضحًا أن تركيز الأعمال حينها على الكوميديا دفعه للاتجاه نحو البرامج والمسابقات، وهي خطوة وصفها بالجميلة، إذ قرّبته أكثر من جمهوره. وتحدّث الجراح عن مشاركاته المسرحية خلال الفترة الماضية ضمن موسم الرياض، مشيرًا إلى اعتزازه بعدد من الأعمال، من بينها مسلسل «شيخ الحارة»، الذي تمنى أن يرى له جزءًا ثانيًا. وعند حديثه عن أصعب لحظات حياته، خانته الدموع وهو يستذكر ابتعاده عن والده بسبب الفن، في لحظة صدق إنساني مؤثرة. وحول عودته للشاشة، أعلن الجراح أن عودته المقبلة ستكون من خلال فيلم سينمائي يجري التحضير له، بمشاركة الفنان الكبير ناصر القصبي. شهادات ثقافية.. وقدّم عدد من المثقفين والإعلاميين شهاداتهم عن تجربة يوسف الجراح، من بينهم الإعلامي القدير سلامة الزيد، والروائي عبده خال، والإعلامي عدنان جستنية، والمسرحي عبدالله الصايغ، والإعلامي سعود الخلف، حيث تنوّعت المداخلات بين الإنساني والفني، وأضاءت محطات مؤثرة من مسيرته، مؤكدة مكانته في الذاكرة الثقافية والفنية. وفي ختام الأمسية، قال محمد آل صبيح، مدير جمعية الثقافة والفنون بجدة: إن سعادة يوسف الجراح لم تكن في درع أو ميدالية، بل في ذلك الحضور الصادق، وتفاعله العفوي، ودموعه التي خانته، وابتسامته التي لم تغب، مؤكدًا أن ما قُدّم له لم يكن تكريمًا لمسيرة فنية فقط، بل احتفاءً بإنسان ترك أثره في القلوب قبل الشاشات. هكذا التقت المسارات في مسار واحد عنوانه الإنسان، وأكدت جمعية الثقافة والفنون بجدة أن الفن، حين يُدار برؤية ويُقدَّم بمحبة، يتحوّل إلى ذاكرة حيّة لا تُنسى. آل صبيح مكرماً يوسف الجراح