كنت طالباً في الجامعة في اليابان، كانت أشهر قليلة قد مضت منذ أحداث 11 سبتمر والتي شهدت مقتل الكثير من الأبرياء على يد جماعات إرهابية في الولاياتالمتحدة الأميركية. شاركت في رحلة للتزلج على الجليد تنظمها الجامعة سنوياً للطلبة الأجانب. كان من ضمن المشاركين طالب أميركي يدعى "آرون" ومنذ بداية الرحلة كان يحاول استفزازي بشتى الطرق أمام بقية الطلبة بمحاولة طرح موضوع أحداث سبتمبر وأنني مسلم وبلدي العزيز السعودية هو قبلة المسلمين. قررت ألا أنحدر لمستواه في تلك الترهات وأتجاهل طالما لم يتفاقم الوضع لمستويات لا يمكن تجاهلها أو السكوت عنها. واستمر الوضع لثلاثة أيام. وصادف في تلك الرحلة أن المنظمين قرروا تخصيص طاولة للطلبة من بلدان إسلامية لتقديم وجبات "حلال". وفي إحدى الليالي كان طبق العشاء الذي قدموه لنا كطلبة مسلمين هو سمك مشوي. وبالمقابل تم تقديم ربيان مقلي لبقية الطلبة من الدول الأخرى. لمحت وجه "آرون" والذي بدا مهموماً ومنزعجاً. اتخذت قراري وحملت صحن السمك المشوي وقلت له: "هل تحب أن نتبادل الأطباق؟"، نظر إليّ والخجل في وجهه وعينيه؛ نعم رجاء! أشكر لك لطفك وكرمك!". تبادلت صحني معه وعدت مكاني. سألني بقية الطلبة المسلمين لماذا فعلت ذلك؟ أجبتهم بأن الطالب الأميركي "آرون" يعتنق الديانة اليهودية والتي تحرم أكل الروبيان. ومن شيمنا نحن السعوديين وأخلاق المسلمين أن نقدم يد العون لمن يحتاج المساعدة.. طبعاً، توقفت جميع استفزازات آرون وكان ذلك الموقف نقطة فاصلة في التعامل معه ومع كانوا على شاكلته في تلك الرحلة. من الممكن هنا أن يسترسل الحديث عن حوار الحضارات والتعامل مع الثقافات الأخرى، لكني أود التركيز على الناحية الإدارية والقيادية حيث كل منا يمكن أن يواجه أشخاصاً مثل آرون في بيئة عمله ويضطر للتعامل مع مختلف الضغوطات والتحديات والاستفزازات. كان بالإمكان أن افتعل شجاراً كبيراً وعراكاً ولكن هل كان ذلك سيحل المشكلة؟ على العكس كان سيرسخ صورة سلبية ويفتح الباب للمزيد من هذه الإشكاليات. وعلى العكس من ذلك، فضبط الأعصاب والتحكم بالنفس في أصعب المواقف والتعامل الحازم برقي واحترام يكون له عظيم الأثر في الكثير من المواقف. ومن المهم التأكيد على أنه لا يصح التعميم على أي جماعة أو أتباع ديانة بحالات فردية. وفي الوقت نفسه فهنالك حالات تستدعي الغضب المدروس والوقفة القوية وفق ما تستدعيه الظروف. وختاماً، لم انتصر على آرون بشجار أو قتال، بل بصحن روبيان. في حياتك العملية ستمر عليك الكثير من المواقف التي يمكن أن تنتصر فيها انتصاراً ساحقاً على خصومك بحكمة وليس بلكمة!