لم يأت اعتماد ثماني مدن تعليمية سعودية من قبل اليونسكو من فراغ، وإنما جاء نتيجة للعمل الجاد والجهود الكبيرة التي تباشرها تلك المدن لتعزيز التعليم الشامل وموائمته مع أهداف التنمية المستدامة ، وكما أسهمت رؤية 2030 ضمن عملها على إعادة هيكلة النظام التعليمي ليكون ملبيا للاحتياجات الاقتصادية المتغيرة في نجاح تلك المدن ونيلها ذلك الاستحقاق الدولي، أصبحت تلك المدن غيرها من مدن التعليم السعودية التي يمهد لها للالتحاق بشبكة اليونسكو العالمية ذراعا قويا يدعم الرؤية ويساندها لتحقيق مستهدفاتها وتعزيز مكانة المملكة كقوة تعليمية واقتصادية عالمية بحلول عام 2030، ويدلل على ذلك نجاح تلك المدن في أداء المطلوب ومنه دعم ريادة الاعمال والاقتصاد المحلي وتمكين الشباب والمرأة لضمان استدامة النمو الاقتصادي الفردي والمجتمعي. مدينة الرياض نموذج لتمكين رواد الأعمال ويعد الدعم الذي تقدمه مدينة الرياض التي "انضمت إلى الشبكة العالمية لمدن التعلُّم التابعة لمنظمة اليونسكو في ديسمبر 2025" لريادة الاعمال مثالاً واضحاً على الدور الكبير الذي تقوم به مدن التعليم السعودية في هذا الجانب، ويتمثل ذلك الدعم في العديد من المبادرات والبرامج التي تتم عبر الجهات الحكومية أو بالشركة بين القطاعين العام والخاص والمؤسسات مثل "مسك" و"منشآت" وتشمل البرامج التمويلية وإنشاء مراكز للابتكار وحاضنات الاعمال وغير ذلك مما يفيد ريادة الاعمال ويحقق نمو مستدام للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والشركات الناشئة ومن الأمثلة على ذلك إطلاق مؤسسة مركز الرياض للتقنية الحيوية، وهي مؤسسة غير ربحية تهدف لدعم البحث والتطوير والابتكار في مجال التقنية الحيوية وتمكين الشركات الناشئة المحلية والعالمية، ويُعتبر هذا المشروع أحد البرامج والمشاريع الرئيسية للهيئة لدعم اقتصاد المعرفة وتنويع الاقتصاد السعودي. وأيضا إنشاء مركز الشركات الناشئة بالرياض بهدف توفير مساحات عمل مشتركة ومكاتب خدمات لوجستية جاذبة لروَاد الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، لأداء أعمالهم في بيئة ملائمة ومحفزة على الابتكار والإبداع، ويقدم المركز برامج وخدمات دعم متنوعة، مثل: "خدمات تدريبية - تنسيق الاستشارات والجلسات الإرشادية وِرش العمل المعسكرات اللقاءات مع الشركات الكبرى والجامعات والمستثمرين"، كما تعد مبادرة "بسطة الرياض" وهي من أمانة منطقة الرياض تهدف إلى توفير منصة حيوية لدعم ريادة الأعمال النسائية وتشجيع النساء على عرض منتجاتهن اليدوية والحرفية، مما يعزز استقلالهن المالي مثال على الجهود التي تبذلها مدن التعليم السعودية لتعزيز التعليم الشامل وموائمته مع أهداف التنمية المستدامة. وتظهر المؤشرات الريادية المتقدمة التي سجلتها الرياض جدوى ذلك العمل ومردوديته حيث استحوذت الرياض على الحصة الأكبر من المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة بنسبة تقارب 43.3%، من إجمالي يتجاوز 1.3 مليون منشأة على مستوى المملكة بنهاية النصف الأول من 2025، كما سجلت الرياض أعلى معدل نمو عالمي ضمن أفضل 100 مدينة في منظومة الابتكار لعام 2025، كما استضافت الرياض فعاليات كبرى مثل "بيبان 2025" ونهائيات كأس العالم لريادة الأعمال، حيث تم استعراض أكثر من 10 آلاف فرصة استثمارية لرواد الأعمال، كما ارتفع عدد الشركات الناشئة الأجنبية الحاصلة على ترخيص "ريادي" بنسبة 118% حتى منتصف عام 2025، وتُعد الرياض الوجهة الأولى لهذه الاستثمارات، كما حصلت الرياض مؤخرا على شهادة «المدينة النشطة عالميَّاً» (Global Active City)، لتصبح أول مدينة في الشرق الأوسط تنال هذا التصنيف، وذلك نظير إنجازاتها في تعزيز أنماط الحياة الصحية، والنشاط البدني، والرفاهية المجتمعية للجميع، كما وصلت نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل بمدينة الرياض إلى 45.4% من إجمالي المشاركة في سوق العمل بالمنطقة، مسجلة أعلى نسبة مشاركة للمرأة في المملكة. الجبيلوينبع.. حاضنة للمشاريع ويعكس الدور الكبير الذي تقوم به كل من مدينتا الجبيل التي تم اعتمادها في عام 2020م، لتكون أول مدينة سعودية تنضم إلى شبكة اليونسكو العالمية لمدن التعليم، وينبع التي اعتمادها في عام 2022 ،في دعم ريادة الأعمال وحضانة المشاريع الصغيرة والمتوسطة المبتكرة بشكل مباشر ومن خلال التوسع في الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص غزارة ما تقدمه المدن التعليمية السعودية لذاك القطاع المهم إذ نشطت المدينتان في استحداث حاضنات أعمال توفر لرواد الأعمال مساحات عمل مشتركة مجهزة بأحدث التقنيات لتقليل التكاليف التشغيلية للمشاريع الجديدة، وعملتا على التوسع في توجيه وإرشاد رواد الاعمال عبر برامج تربطهم مع خبراء الصناعة والمستثمرين لتقديم استشارات فنية وتجارية متخصصة للعمل على توفير العديد من الخدمات للشركات الناشئة تتضمن تخطيط الأعمال ودراسات الجدوى وتوفير الورش والمعامل والمكاتب للعملاء والمساعدة في تطوير استراتيجيات التسويق والاتصالات إضافة إلى المساعدة في تطوير استراتيجيات التمويل وخطط الأعمال طويلة المدى والإدارة المحاسبية والمساعدة في إصدار التراخيص وتسجيل الشركة والخدمات المكتبية المميزة وقد احتضن مركز التنمية الصناعية الكثير من المشاريع في العديد من المجالات منذ تأسيسه بدعم وتمكين من الهيئة الملكية للجبيل وينبع، كما أسهم المركز أيضاً في دعم وتمكين رواد الأعمال للحصول على تمويل لمشاريعهم وساعدهم في تحويل أفكارهم الريادية إلى منتجات ملموسة، وتوفير بيئة محفزة للابتكار، وقد حصلت مدينة الجبيل الصناعية على جائزة أفضل مدينة تعلم ضمن شبكة اليونسكو عام 2021م، كما حصلت مدينة ينبع الصناعية على جائزة مدن التعلم من منظمة اليونسكو لعام 2024، تقديرًا لجهودها في تطوير منظومة تعليمية متكاملة تعزز التعلم مدى الحياة، وتوظف الابتكار والتقنيات الحديثة في دعم الطلاب والمعلمين والمجتمع المحلي.كما حصلت 22 مدرسة في الجبيلوينبع الصناعيتين على التميّز في التقويم المدرسي وفق التصنيف المدرسي في البرنامج الوطني للتقويم والتصنيف والاعتماد المؤسسي. وتعد إسهامات المدينتين في مبادرة "هاكاثون الصناعة "وهي مبادرة وطنية رائدة ينظمها صندوق التنمية الصناعية السعودي (SIDF) بشكل سنوي، لربط الأفكار الإبداعية والابتكارية للشباب والشابات في المملكة مع التحديات الحقيقية التي يواجهها المصنّعون المحليون مثال واضح على جهدهما الكبير لإيجاد حلول تقنية لمشاكل الصناعة المحلية، إذ تعتبر المبادرة جسراً يربط بين المواهب الشابة والقطاع الصناعي لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، كما يعد حرص الهيئة الملكية للجبيل وينبع، على التطوير المستمر لمناهج مؤسساتها التعليمية، واهتمامها بتعزيز الجوانب النظرية والعلمية والقيمية للطلاب، من أجل مواكبة أحدث ما توصل إليه العلم الحديث في مختلف التخصصات ذات العلاقة بسوق العمل، مؤشر واضح على دعمها المستمر لريادة الاعمال وتمكين الشباب. إسهامات تراكمية متنامية في الاقتصاد المحلي ويصعب حصر مقدار الدعم المادي المباشر الذي يتم ضخه من قبل الجهات التمويلية في المملكة لدعم رواد الاعمال في المدن التعليمية السعودية المعتمدة من قبل اليونسكو أو في بقية المدن التعليمية الأخرى في ظل استمرار تلك الجهات ضخ مبالغ ضخمة كجزء من جهود تنويع الاقتصاد الوطني ضمن رؤية 2030 ويكفي دلالة على صعوبة ذلك ارتفاع إجمالي التسهيلات المقدمة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في عموم المملكة إلى 420.7 مليار ريال بنهاية الربع الثاني من عام 2025، ويشكل الموجه منها إلى تلك الفئات في المدن التعليمية السعودية الثمان المعتمدة جزء كبير ، كما يصعب أيضا حصر إسهام تلك المدن في الاقتصاد المحلي خصوصا وأن الإسهامات الاقتصادية التي تقدمها تلك المدن تراكمية بشكل تدريجي ومستمر يتضمن تنمية المهارات البشرية وتجهيز الكوادر الوطنية المؤهلة التي تعمل على زيادة القدرة التنافسية في سوق العمل وتدعم التحول الى اقتصاد المعرفة، إضافة إلى تعزيز ريادة الأعمال والتوسع في تأسيس الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تحفز الابتكار وتخلق المزيد من فرص العمل المناسبة والملائمة للمواطنين، وأيضا العمل على تزويد الأفراد بالمهارات اللازمة للتعامل مع متطلبات العصر الحديث، مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، مما يقلل من الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات الصناعة وتعزيز تعزيز جودة الحياة وتطوير الخدمات المقدمة للمستثمرين والقاطنين وجعل تجربة الاستثمار والحياة تجربة نموذجية مشجعة على استمرار تدفق الاستثمارات والعمل فيها. ولكن يمكننا القول إن المدن التعليمية السعودية ستسهم بشكل كبير في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 المتعلقة برفع مساهمة نشاط قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورواد الأعمال في الناتج المحلي إلى 35% بحلول 2030، خصوصا وأن ذلك النشاط الذي تجاوزت نسبة إسهامه في الناتج المحلي20% شهد تسارعا في معدلات النمو بدعم من الدولة حيث تجاوز عدد المنشآت ال 1.27 مليون منشأة في 2025 مع نمو يصل إلى 3.5% عن العام السابق، وتستحوذ المدن التعليمية المعتمدة وهي (الرياض، العلا، ورياض الخبراء، والجبيل، وينبع، والمدينةالمنورة، والأحساء، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية) بالإضافة إلى بقية مدن التعليم المرشحة للاعتماد على جزء كبير من تلك المساهمة التي ينتظر أن تسهم أيضا في دعم ريادة الأعمال، وتسهيل التمويل، وتحفيز الابتكار، وخلق المزيد من فرص عمل للمواطنين وخفض البطالة مع التركيز على قطاعات جديدة مثل السياحة والتجارة الإلكترونية والتقنية لدعم الاقتصاد وتنويع مصادره.