شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية توجهاً غير مسبوق نحو التحول الرقمي الذي بات ضمن أبرز أولويات الدول والشركات الرامية إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي. وبسبب الانتقال السريع للمنطقة نحو التحول الرقمي شهدنا تغييرات معقدة في عالم الأمن السيبراني تحمل في طياتها مختلف التحديات، حيث أصبح مجرمو الانترنت أكثر تقدماً وأشد خطراً لاقتناص أي فرصة تمكّنهم من اختراق الكميات الهائلة من البيانات والمعلومات المنقولة. ولذلك، أصبحت الحاجة إلى حلول أمنية فعّالة وقوية أمر أساسي لمكافحة التهديدات الحالية وضمان أمن المنطقة وازدهارها. وعلى هامش فعاليات «بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا» ألقى حسام صيداني، نائب رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لشركة أبسوات، الضوء على مستجدات مشهد الأمن السيبراني، مؤكدًا التزام الشركة الراسخ نحو تقديم حلول أمنية استباقية للتصدي للهجمات المتطورة. كيف تقيمون مسار تطور سوق الأمن السيبراني في منطقة الشرق الأوسط، وما أبرز العوامل التي تدفع وتيرة نموه المتسارعة، ولا سيما في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون؟ يتسم مشهد الأمن السيبراني في المنطقة بالعديد من التغيرات التي تمثل فرصًا واعدة للنمو، حيث تشير بيانات جديدة من شركة «فروست آند سوليفان» إلى أن سوق الأمن السيبراني في الشرق الأوسط مرشح للوصول إلى 31 مليار دولار بحلول عام 2030، مع استمرار الحكومات في تعزيز حماية البنى التحتية. ومن المتوقع أن ينمو القطاع بمعدل سنوي مركب يقارب 20% خلال الفترة المتوقعة. وتتصدر كلٌّ من السعودية هذا النمو بفضل نضج سياساتهما الوطنية وتطور بيئتهما البحثية والتقنية في ظل الانتقال السريع نحو التحول الرقمي. ووفقًا لتقرير الهيئة الوطنية للأمن السيبراني حول مؤشرات الاقتصاد السيبراني لعام 2025 ، بلغ حجم سوق الأمن السيبراني في المملكة 15.2 مليار ريال في 2024، بزيادة 14% عن عام 2023. في ضوء ارتفاع تكلفة الحوادث السيبرانية في المنطقة لتقترب من ضعف المتوسط العالمي، ما الخطوات التي تتخذها الحكومات والقطاعات الحيوية لتعزيز قدرتها على الصمود ورفع كفاءة منظوماتها الدفاعية؟ تشهد المنطقة اليوم ارتفاعًا ملحوظًا في تكلفة الحوادث السيبرانية، حيث يبلغ متوسط تكلفة الحادثة السيبرانية في المنطقة 8.05 ملايين دولار، أي ما يقارب ضعف المعدل العالمي البالغ 4.45 ملايين دولار وذلك وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي. وقد دفع هذا الواقع الحكومات والقطاعات الحيوية إلى تسريع جهودها لتعزيز جاهزيتها الدفاعية ورفع مستوى المرونة الرقمية. وفي دول الخليج على وجه الخصوص، نلاحظ تحوّلًا منهجيًا في تطوير القدرات السيبرانية، مدفوعًا بمبادرات استراتيجية تركز على الحوكمة والابتكار وبناء القدرات البشرية لإعادة رسم ملامح المشهد السيبراني. ففي السعودية، أطلقت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني خدمة «حصين» وهي البوابة الوطنية لخدمات الأمن السيبراني بهدف دعم الجهات الوطنية في مواجهة التهديدات السيبرانية. كما ساهم القطاع ب 18.5 مليار ريال من الناتج المحلي للمملكة لعام 2024، بنمو 19% عن العام السابق، وبما يعادل 0.40% من إجمالي الناتج المحلي، مما يعكس الأهمية المتزايدة لهذا القطاع الهام. وفي هذا السياق، نؤمن بأمن المستقبل الآمن يكمن في الدفاع الاستباقي وليس الاكتشاف فقط وتعزّز أبسوات جاهزيتها عبر تقنيات تفكيك المحتوى الضار وإعادة تشكيله بشكل آمن «CDR» لضمان خلو الملفات من أي تهديد، بما في ذلك الهجمات غير المعروفة. بوصف أبسوات إحدى الجهات البارزة المشاركة في معرض بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا، كيف تساهمون في إثراء النقاش حول حماية البنى التحتية الحيوية وتعزيز نضج الأمن السيبراني إقليميًا؟ نحن سعداء بمشاركتنا في معرض بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا في نسخته الرابعة، وذلك للعام الثالث على التوالي، حيث نحرص من خلال تواجدنا على تعزيز الحوار حول حماية البنى التحتية الحيوية ورفع مستوى النضج السيبراني في المنطقة، وذلك من خلال مشاركة خبراتنا العالمية الممتدة لأكثر من 20 عامًا في حماية بيئات تقنية المعلومات والتكنولوجيا التشغيلية وأنظمة التحكم الصناعي. كما تتيح مشاركتنا فرصة عملية لإبراز الدور الذي تقدمه تقنيات الشركة في مساعدة الجهات الحكومية والشركات للكشف عن المخاطر والاستجابة لها بفعالية مستندة إلى منهجيات استباقية تتماشى مع الاحتياجات المتزايدة لمختلف القطاعات. ما أهم التقنيات والابتكارات التي تستعرضها أبسوات خلال مشاركتها هذا العام، وكيف تعالج التهديدات المتنامية؟ خلال مشاركتنا في بلاك هات الشرق الأوسط وأفريقيا 2025 استعرضنا مجموعة من التقنيات المتقدمة المصممة لمعالجة التهديدات المتزايدة التي تستهدف بيئات تقنية المعلومات والتكنولوجيا التشغيلية، في وقت أصبحت فيه الأدوات التقليدية غير كافية للتعامل مع الهجمات المعقدة. فقمنا باستعراض منصة «OP/X Mobile Lab» وهي مجموعة من الأجهزة المجمّعة كوحدة متكاملة يمكن نقلها، وتعمل كمختبر لمحاكاة الهجمات وتدريب الكوادر وعرض حلول «أبسوات». وتعتمد حلولنا على نهج "الدفاع الاستباقي"، عبر تقنيات مثل تفكيك المحتوى الضار وإعادة تشكيله بشكل آمن (CDR) التي تزيل أي تهديد مخفي داخل الملفات، حتى التهديدات غير المعروفة. كما نوظف فحصًا متعدد المحركات من خلال منصة MetaDefender التي تعتمد على أكثر من 30 محركًا لمكافحة البرمجيات الخبيثة، بالإضافة إلى أدوات النقل الآمن للملفات وتعقيم وسائط التخزين المحمولة. وتشمل ابتكاراتنا أيضًا حلول Cross-Domain المصممة لفرض ضوابط صارمة عند انتقال البيانات بين شبكات تقنية المعلومات والتكنولوجيا التشغيلية، وهو جانب يُعد من أكثر نقاط الضعف استهدافًا في المنطقة. ونقدم كذلك MetaDefender Kiosk لفحص وتعقيم ال USB وبطاقات الذاكرة. وتهدف هذه التقنيات إلى تمكين المؤسسات من رفع جاهزيتها وتعزيز دفاعاتها عبر حماية متكاملة تمتد من الأجهزة الطرفية إلى الأنظمة التشغيلية. كيف تمكّن تقنيات CDR ومنصة MetaDefender ونموذج الثقة الصفرية المؤسسات من تعزيز دفاعاتها، خصوصًا في قطاعات الطاقة والجهات الحكومية والنقل؟ تلعب تقنيات CDR ومنصة MetaDefender ونموذج الثقة الصفرية دورًا حاسمًا في رفع جاهزية المؤسسات في القطاعات الحيوية، حيث تمثل هذه القطاعات أهدافًا رئيسية للهجمات المتقدمة. وتوفر تقنيات CDR خط الدفاع الأول من خلال إزالة أي محتوى ضار من الملفات قبل دخولها الشبكة، ما يضمن حماية استباقية حتى ضد الهجمات غير المعروفة. بينما تقدم منصة MetaDefender فحصًا مركّبًا وعميقًا باستخدام أكثر من 30 محرك مكافحة فيروسات، مما يعزز دقة الاكتشاف ويقلل من المخاطر بشكل كبير. أما نموذج الثقة الصفرية، فيعتمد على فرض ضوابط دقيقة تحدد من يمكنه الوصول إلى ماذا، وفي أي وقت، وبأي مستوى من الصلاحيات. ويُعد هذا النموذج مثاليًا لقطاعات مثل الطاقة والنقل والجهات الحكومية، حيث تتداخل بيئات تقنية المعلومات مع التكنولوجيا التشغيلية. ويساعد الجمع بين هذه التقنيات في خلق طبقات متعددة من الحماية، تضمن عزل التهديدات، ومنع انتشارها، وحماية الأصول الحيوية في كل مرحلة من مراحل التشغيل. تولي أبسوات اهتمامًا كبيرًا بتنمية المهارات. كيف تسهم البرامج التدريبية والمختبرات العملية والأكاديمية في إعداد جيل جديد من محترفي الأمن السيبراني؟ تؤمن أبسوات بأن بناء مستقبل سيبراني مستدام لا يعتمد فقط على التكنولوجيا، بل على الكفاءات الوطنية القادرة على تشغيلها وتطويرها. ومن هذا المنطلق، تقدّم «أبسوات» برامج تدريب متخصصة من خلال «أكاديمية أبسوات» التي حازت مؤخرًا على اعتماد من منظمة «ISC2» كشريك للتطوير المهني المستمر في مجال الأمن السيبراني، لما تقدمه الأكاديمية من برامج تدريبية لحماية البنى التحتية الحيوية، وتزويد المختصين بالمعرفة والشهادات المهنية اللازمة لتعزيز أمن بيئات تقنية المعلومات والأنظمة التشغيلية وأنظمة التحكم الصناعية. ما رؤيتكم لقيادة أولويات أبسوات في السوق السعودي والمنطقة؟ نواكب في أوبسوات التطورات المتسارعة في مجال الأمن السيبراني في المملكة العربية والمنطقة، ونحرص دائما على دعم الاستراتيجيات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز مرونة القطاعات الحيوية وتدعم جهود التنويع الاقتصادي والتحول الرقمي. لذلك نمضي قدمًا برؤية تركز على دعم مستهدفات رؤية 2030 في بناء اقتصاد رقمي آمن ومرن، وضمان حماية البنى التحتية الحيوية في المملكة. وتستند هذه الرؤية إلى ثلاثة محاور رئيسية: تطوير القدرات المحلية، وتوسيع الشراكات الاستراتيجية، وتقديم حلول متقدمة تتوافق مع طبيعة التهديدات الإقليمية. وقد رسّخنا وجودنا في المملكة عبر افتتاح مكتب محلي في الرياض، وتوسيع شراكاتنا مع جهات رائدة مثل شركة تحكم التقنية (TCC) و وزارة السياحة، حيث ساهمنا في تأمين أنظمة التأشيرات الإلكترونية ومعالجة ملايين الطلبات بكفاءة وأمان. ونواصل الاستثمار في الكفاءات المحلية وفي تعزيز جاهزية القطاعات الحيوية التي تشهد توسعًا سريعًا مثل الطاقة، النقل، الحكومة الرقمية، والقطاع الصناعي. إنطلاقًا من هذه الرؤية، تلتزم أبسوات بدورها كشريك استراتيجي في دفع عجلة التحول الرقمي داخل المملكة والمنطقة، وذلك عبر تقديم حلول سيبرانية متكاملة تهدف إلى تعزيز المرونة وضمان استدامة الأمن الوطني السيبراني على المدى الطويل.