منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 اعتُبر العمل التطوعي ركيزة أساسية لبناء وطن طموح يقوم على المشاركة والمسؤولية المشتركة، وحدّدت الرؤية هدفًا واضحًا هو الوصول إلى مليون متطوّع سنويًّا بحلول عام 2030، مقارنة بنحو 11 ألف متطوّع فقط عند إطلاقها، إلى جانب رفع مساهمة القطاع غير الربحي في الناتج المحلي من أقل من 1 % إلى 5 %، وهذا التحوّل نقل التطوع من مبادرات محدودة إلى سياسة عامة مرتبطة بمؤشرات أداء، وبرامج حكومية، وتشريعات منظمة، وقد أصدرت المملكة نظام العمل التطوعي الذي يهدف إلى تنظيم وتطوير العمل التطوعي، ونشر ثقافته، وضبط حقوق وواجبات المتطوعين والجهات المستفيدة، بما في ذلك آليات تشكيل الفرق التطوعية، وإدارة الشكاوى والحماية القانونية، وبهذا النظام انتقل التطوع من الممارسة العفوية إلى إطار قانوني مهني يحمي المتطوعين والجهات ويضمن استدامة المبادرات. وفي عام 2020 أطلقت المملكة المنصّة الوطنية للعمل التطوعي بوصفها بوابة رقمية موحدة تربط المتطوعين بالفرص التطوعية في الجهات الحكومية والخاصة وغير الربحية، وتتيح توثيق الساعات وتوليد تقارير دقيقة عن الأثر، وبحسب وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، تجاوز عدد المسجلين على المنصة 1.2 مليون متطوع، بينما سجّلت أكثر من 5200 جهة من القطاعين العام والخاص وغير الربحي لتقديم فرص تطوعية عبرها. مفهوم جديد وتسعى المملكة من خلال رؤية 2030 إلى ترسيخ مفهوم جديد ومتطور للتطوع يختلف عن الصورة التقليدية القديمة، فالمملكة لا تهدف فقط إلى تشجيع العمل الخيري أو المساعدة الموسمية، بل بأن تبني نموذجًا وطنيًا متكاملاً للتطوع التنموي الذي يحقق أثرًا ملموسًا في المجتمع والاقتصاد وجودة الحياة، والتطوع الذي تسعى المملكة لإبرازه وأهميته النمو، فهو ليس عملاً وقتيًا بل مساهمة في بناء الوطن، فالمملكة تركّز على التطوع الذي يرفع جودة الحياة في المجتمع، ويعزز الوعي والمسؤولية المشتركة، ويبني مهارات المتطوع نفسه ويسهم في تطويره، ويحوّل التطوع إلى أثر اجتماعي واقتصادي قابل للقياس، وهذا هو التطوع الذي تريد المملكة أن يكون جزءًا من أسلوب حياة الأفراد، وليس مجرد مبادرة وقتية، كذلك التطوع التخصصي، فكل مواطن يخدم وطنه بوظيفته وخبرته، فالمملكة لا تريد فقط العمل العام، بل تركّز على التطوع الذي يستخدم فيه الشخص مهاراته المهنية، فالمتطوع الصحي يخدم في المجال الصحي، والمتحدث الإعلامي يخدم في التوعية، والمهندس يقدم خدمات فنية، والمعلم يقدم دروسًا وإرشادًا، والمحامي يقدم توعية قانونية، وهذا النوع من التطوع يحقق أعلى أثر لأنه يعتمد على خبرة المتطوع المتراكمة، إضافةً إلى أن التطوع منظّم بجهات، ومسؤوليات، وتوثيق من خلال المنصة الوطنية للعمل التطوعي، ونظام العمل التطوعي، والمركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وبذلك تم الانتقال من التطوع العشوائي إلى التطوع المنظّم، الموثّق، المحكوم بالأنظمة، القائم على حفظ الحقوق، وتصنيف الساعات، وحساب قيمة الأثر، وبهذا أصبح التطوع جزءًا من التخطيط الوطني وليس نشاطًا فرديًا فقط، إلى جانب أن التطوع مرتبط بجودة الحياة والمجتمع الحيوي وفق رؤية 2030، وتهدف المملكة من خلاله إلى تعزيز روح الانتماء الوطني، ودعم الترابط بين أفراد المجتمع، ونشر ثقافة العطاء والمسؤولية، وتعزيز صحة المجتمع (رياضة – بيئة – صحة – سياحة – حج وعمرة)، ودعم وتمكين الفئات الأقل حصولًا على الفرص. منصة رقمية تربط الأفراد بالفُرص وتوثّق الساعات وترفع التقارير قوة اجتماعية والمملكة تسعى لإبراز أن التطوع ليس عمل خير بلا مقابل فقط، بل له قيمة اقتصادية وطنية، ومساهمة في الناتج المحلي، ودور في تخفيف العبء عن القطاعات الخدمية، وقدرة على خلق مجتمع منتج ومساند للتنمية، ولهذا تم احتساب الساعات التطوعية والتحول لقياس الأثر، ما جعل التطوع جزءاً من اقتصاد المستقبل، وأحد أهداف المملكة هو إبراز أن التطوع جزء أصيل من الثقافة السعودية، وقيم التراحم والتكافل متجذرة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله-، ويعد موسم الحج والعمرة نموذج عالمي للتطوع المنظم، فالمملكة تريد التأكيد أن التطوع ليس جديدًا عليها، بل هي بلد عطاء بطبيعته، لكن رؤية 2030 جاءت لتطوّر هذا العطاء وتنقله إلى عمل احترافي مستدام، والتطوع الذي تريد المملكة إبرازه هو تطوعٌ تنمويٌ، تخصصي، منظم، مؤثر، قابل للقياس، محفّز للهوية الوطنية، وله قيمة اجتماعية واقتصادية، وأصبح العمل التطوعي مسؤولية مشتركة يشارك فيها كل أفراد المجتمع والقطاعات المختلفة بطرق متكاملة ومنظّمة، وفق منظور رؤية 2030، فالمواطن والمقيم يقدمان خبراتهما المهنية أو مهاراتهما الشخصية عبر المنصّة الوطنية للعمل التطوعي، بينما تتيح الجهات الحكومية فرصًا تطوعية في التعليم والصحة والبيئة وخدمة الحجاج والمعتمرين، ويشارك القطاع الخاص من خلال التطوع المؤسسي وبرامج المسؤولية الاجتماعية، فيما يستقطب القطاع غير الربحي مئات الآلاف من المتطوعين عبر الجمعيات والمبادرات التنموية، وهذا التكامل جعل التطوع ثقافة وطنية تشمل الجميع وتحوّله إلى قوة اجتماعية فاعلة تدعم التنمية وجودة الحياة. مركز وطني ولأجل جعل التطوع ثقافة وطنية تشمل الجميع وتحوّله إلى قوة اجتماعية فاعلة فقد أنشأت الدولة -رعاها الله- المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي لقيادة تنظيم هذا القطاع وتوسيعه، ورفع كفاءته، وتعزيز دوره في تحقيق مستهدفات الرؤية، بما في ذلك تشجيع ثقافة التطوع وتنويع الفرص التطوعية، ونستعرض من خلال هذا التقرير أرقام تعكس قفزة تطوعية غير مسبوقة بالمملكة ونمو عدد المتطوعين والساعات التطوعية، وفق بيانات وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة لعام 2024، حيث أعلنت الوزارة أن عدد المتطوّعين في المملكة وصل إلى حوالي مليون متطوّع، وقد تم تحقيق هذا الرقم قبل موعده المستهدف في رؤية 2030 بست سنوات، وذلك خلال احتفالات اليوم السعودي للتطوع، وسجّلت أكثر من 59 مليون ساعة تطوعية عبر المنصة الوطنية للعمل التطوعي. بينما تجاوز العدد مع التكرار 3 ملايين متطوع، ونُفِّذت أكثر من 528 ألف فرصة تطوعية، واستفاد منها نحو 75 مليون مستفيد في مختلف مناطق المملكة، وتشير تقارير أخرى إلى أن عدد المتطوعين الفعّالين تخطى 1.2 مليون متطوع، ما يعكس توسّعًا كبيرًا في قاعدة المشاركة المجتمعية، وقدّرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية القيمة الاقتصادية للعمل التطوعي بأكثر من 246 مليون دولار -نحو 900 مليون ريال-، بناءً على الساعات التطوعية المسجّلة عبر المنصّة الوطنية والجهات المشاركة، وهو ما يعزّز مساهمة المتطوعين في الاقتصاد الوطني إلى جانب أثرهم الاجتماعي والإنساني، كما أظهر مسح العمل التطوعي لعام 2018 الصادر عن هيئة الإحصاء أن 16.8% من السعوديين -15 سنة فأكثر- شاركوا في أعمال تطوعية خلال سنة واحدة، بمتوسط 52.2 ساعة تطوع للفرد في العام، مع الإشارة إلى أن المملكة تُعرف تاريخيًّا بارتفاع نسب التطوع خصوصًا في مواسم الحج والعمرة. مكانة ريادية وتؤكد تقارير العطاء العالمية أن المملكة باتت ضمن الدول البارزة في مؤشرات الكرم والمساعدة والتبرع، حيث سجلت نسبًا مرتفعة في مساعدة الغرباء والتبرع المالي والعمل التطوعي مقارنة بالمتوسط العالمي، كما أظهر تقرير العطاء العالمي 2025 أن المملكة، تُعد من القادة عالميًّا في التبرع للقضايا الإنسانية خارج الحدود، في مؤشر على اتساع دائرة العطاء السعودي من الداخل إلى الإقليم والعالم، وهذه المؤشرات الدولية، إلى جانب تحقيق هدف المليون متطوّع قبل موعده، تعطي المملكة مكانة ريادية في ملف التطوع والعمل الإنساني على مستوى المنطقة والعالم الإسلامي، وتتكامل أدوار القطاع العام والخاص وغير الربحي، والقطاع الحكومي مثلاً تبرز وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية التي تقود ملف التطوع من خلال التشريعات، والمنصّة الوطنية، والاحتفال السنوي باليوم السعودي للتطوع في الخامس من ديسمبر، وتنظيم المنتديات الوطنية والدولية التي تستعرض التجارب الناجحة وتبني شراكات جديدة، والوزارات الخدمية مثل الصحة، التعليم، الحج والعمرة، الشؤون البلديات والإسكان أيضاً تعتمد هذه القطاعات العامة مسارات تطوعية في مجالات متعددة مثل دعم الخدمات الصحية، تنظيم الحشود في الحج والعمرة، وحملات البيئة والتشجير، وبرامج الإرشاد التعليمي والمهني، وهذه المنظومة جعلت العمل التطوعي جزءًا من السياسات العامة وليس نشاطًا هامشيًّا، ويقدم القطاع الخاص مسؤولية مجتمعية متقدّمة، فرؤية 2030 دفعت الشركات السعودية الكبرى إلى إعادة تصميم برامج المسؤولية المجتمعية لتكون قائمة على التطوع المؤسسي، بحيث تخصص ساعات عمل مدفوعة لموظفيها للمشاركة في مبادرات مجتمعية، وتطلق برامج تطوعية مرتبطة بالتعليم، والصحة، والبيئة، ودعم الأسر المنتجة، وغيرها، كذلك تقارير الاستدامة لعدد من الشركات الوطنية الكبرى تظهر أن العمل التطوعي أصبح محورًا رئيسًا في استراتيجيات الحوكمة والاستدامة، وبما يتوافق مع أهداف الرؤية ومع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة. غير مسبوق وشهد القطاع غير الربحي نموًّا غير مسبوق بعد إطلاق رؤية 2030، وبلغ عدد الكيانات غير الربحية المسجّلة في المملكة نحو 4,656 كيانًا بنهاية 2023 – 2024 وفق بيانات المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي، وتشير إحصاءات هيئة الإحصاء لعام 2024 إلى أن إجمالي إيرادات المنظمات غير الربحية وصل إلى 73.1 مليار ريال بزيادة 22 % عن العام السابق، مع توسع ملحوظ في مجالات التعليم والصحة والثقافة والخدمات الاجتماعية، وهذه المنظمات أصبحت حاضنة رئيسة للعمل التطوعي المنظّم، وتستقطب مئات الآلاف من المتطوعين في أكثر من عشرة مجالات تنموية رئيسة تتراوح بين الصحة، والبيئة، والدعم الاجتماعي، وتمكين الشباب والمرأة، وخدمة الحجاج والمعتمرين، ويمثل التحول الذي قادته رؤية 2030 انتقالًا من صورة التطوع المرتبطة فقط بالمساعدات الخيرية الموسمية إلى التطوع التنموي المنظم الذي يقيس الأثر الاجتماعي والاقتصادي، ويربط ساعات التطوع بمؤشرات الأداء في القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، ويسهم في بناء مهارات المتطوعين أنفسهم، ويخلق جسور ثقة بين الدولة والمجتمع. انسجام واضح وتُظهر الأرقام أن المملكة لم تكتفِ بالحفاظ على إرثها التاريخي في العطاء، بل حوّلته إلى نموذج مؤسسي قابل للقياس والنقل والتطوير، الأمر الذي جعلها من الدول الرائدة في العالم العربي والإسلامي في مسألة العمل التطوعي ودمجه في خطط التنمية طويلة المدى، ويعكس الاهتمام السعودي بالتطوع في إطار رؤية 2030 مشروعًا وطنيًّا شاملًا، يتظافر فيه القطاع الحكومي عبر التشريعات والمنصّات والبرامج، والقطاع الخاص عبر مبادرات المسؤولية المجتمعية والعمل التطوعي المؤسسي والقطاع غير الربحي عبر آلاف الجمعيات والمؤسسات التي تحوّل ساعات التطوع إلى أثر ملموس في حياة الأفراد والمجتمعات، ومع تحقيق مستهدف المليون متطوع قبل ست سنوات من موعده، وتسجيل عشرات الملايين من الساعات التطوعية سنويًّا، وارتفاع القيمة الاقتصادية والاجتماعية للتطوع؛ يمكن القول إن المملكة رسّخت مكانتها كأحد الروّاد عالميًّا في بناء نموذج تنموي يقوم على أن التطوع والمشاركة المجتمعية في المملكة أصبحتا في انسجام واضح مع أهداف رؤية 2030 لبناء مجتمع حيوي، ووطن طموح، واقتصاد مزدهر، يعكس وعي الأفراد وحرص القطاعات على تحمل مسؤولياتها تجاه التنمية المستدامة، فهو ليس مجرد عمل إضافي، بل رافد وطني أساسي يرسّخ قيم العطاء، ويمكّن المبادرات المجتمعية، ويعزّز جودة الحياة، ويُسهم في تحقيق أثر تنموي يمتد لأجيال قادمة. عطاء المتطوعين هو أساس الاستدامة في المملكة الصغار يسابقون الكبار في التطوع تمثيل التكافل الاجتماعي بأبهى صورة