توطئة: في عوالمنا المرئية تتداخل الألوان ليس ككساء بصري فحسب، بل كلغة رقيقة تضمّ مشاعرنا، ومعنا في حياتنا اليومية، وتُعزّز من جودة وجودنا، فالألوان لم تُخلق عبثًا. من هذا المنطلق، يأتي معرض «صدى الألوان» للفنان حسين دقّاس، كمحطة تأمل عميقة في علاقة الإنسان بالألوان، ليس فقط من منظور جمالي، بل كمدخل إلى الحياة النفسية والوجودية. الألوان كعامل في جودة الحياة:، إن للألوان تأثيراً مباشراً على المزاج، وعلى الإحساس بالراحة أو التوتر "الانبساط والانقباض"، وعلى الأداء سواء في الفضاءات الحياتية (منزل، عمل، تصميم داخلي) أو في فضاء الفن. فحين يحيط الإنسان نفسه بألوان متناغمة، أو يتفاعل مع الفن اللوني الهادف، فإنه يفتح مساراً نحو ما يمكن تسميته «جودة الحياة اللونية» وهي حالة ينخفض فيها الخطاب المضطرب للنفس، وتترسّخ مشاعر الطمأنينة والتحفيز والإبداع. تجربة حسين دقّاس: «صدى اللون» في معرضه المقام لدى أتيليه جدة حاليًا، يُؤكد الفنان أنّ الألوان ليست مجرد استجابة بصرية وتواصل في الخطاب مرئي من "لفظ ومعنى"، بل «تتدفّق بتردداتها المختلفة» بحيث «تثير ذلك الإحساس البصري لدى المتلقي وتحرك ما يكمن داخله من مشاعر». ويضيف أن للّون «كيانين: الجليّ ما تدركه الأبصار، والخفيّ ما تدركه البصائر». بهذا التصور، يصبح اللون جسراً بين المشاهد الداخلي والخارجي، بين الطبيعة التي نشأ منها الفنان، وبين المتلقي الذي يُعيد إنتاج هذه التجربة في سياقه الشخصي. التحليل الفني والتعبيري: في لوحات دقّاس، نلاحظ امتداداً أفقياً يشير إلى فضاءات سعودية حجازية رحبة، حيث الأرض بنباتاتها والسماء بغيومها تبدوان كلوحة مفتوحة فضاء واسع للتجربة اللونية. الأزرق، الأخضر، الداكن والفاتح، التباين بين الضوء والظل، كلها أدوات تُوظف لخلق «صدى» ليس فقط بصرياً، بل شعورياً وتأملياً. عندما نربط هذا بما نعرفه من تأثير اللون على المزاج وجودة الحياة: فإن هذه التجربة تقدم نموذجاً «تجريبياً وفنياً» لربط اللون بالرفاه النفسي، بالانتماء إلى الطبيعة، وبالتأمل في الزمن والمكان. اللون وجودة الحياة في لوحات دقاس: الراحة النفسية: من خلال المساحات اللونية التي تمنح القارئ/المتلقّي لحظة سكون وتأمل. التحفيز والإبداع: إذ يدعونا اللون إلى التفاعل ليس فقط كمتلقي سلبي، بل كمشارك في تكوين المعنى. الانتماء والهوية: الطبيعة السعودية ولونها الخاصّ، حاضرة في اللوحة، تُعزّز شعور الانتماء الثقافي والوجودي. الشفاء والتوازن: كما قال الفنان: «تمنح النفس السعادة وتمنح الجسد الشفاء». بالتالي، ليس المعرض مجرّد تجربة تشكيلية عرضية، بل حالة فنية يمكن أن تُقرّبنا من جودة الحياة عبر اللون. إن تجربة «صدى الألوان» تشكّل دعوة لكل متابع للفن، ولكل مصمم داخلي، ولكل إنسان ينوء تحت وطأة ضغوط الحياة: أن يعيد النظر في علاقته باللون. ليس كخلفية سطحية، بل كلغة داخلية تُمكِّننا من ارتقاء جودة حياتنا. لذا يُوصي بأن: يستثمر مصمِّمو الفضاءات الداخلية مثل المنازل والمكاتب دروس دقّاس في التباين اللوني والفضاءات المفتوحة لتوفير بيئة نفسية داعمة. يشجّع الفنانون والممارسُون الثقافيون على دمج اللون كعامل تجربة وليس مجرد مكوّن تجميلي. يُمنَح المتلقي الفنّي الفرصة للتأمل والحوارات حول اللون: ما الذي يشعر به؟ ما الذي يفعله في داخله؟ وكيف يربطه بحياته من ذكريات ومشاعر؟ ختامًا، في ظل تغيرات العصر وتزايد الضغوط الحياتية، يجد اللون طريقه إلى جوهرنا ليس فقط كجمال بصري، بل كقاعدة أساسية في بناء جودة حياة إنسانية متكاملة. ومن خلال معرض الفنان دقاس في أتيليه جدة، نكسب نموذجاً حياً لهذا الربط بين اللون، الفن، والحياة. * فنان وأكاديمي سعودي حسين دقاس د. عصام عسيري *