حينما يمسك الإنسان بالقلم ليكتب رثاء لقريب أو صديق، فإن اليد تهتز، والقلم يميل يمنة ويسرة غير مستقر في حال. فالإنسان يتذكر السنين الماضية، وما تخللها من مواقف وذكريات. نعم هذه هي حالي والعبرات تتوالى، وأنا أمسك القلم لأكتب عن صديق وزميل عز علي فراقه، بالرغم مما جاءه من آلام وأمراض ومحَن، هو أخي الحبيب الوفي والزميل المخلص أبو بندر، إبراهيم بن محمد السليم. تذكرت المواقف الرجولية والعلاقات الحسنة التي برزت منه لكل قريب أو صديق أو زميل. فالموت حق، فهو حقيقة على النفس البشرية. إن في القلب غصة، وفي العين ألف دمعة، ففقد المحبين يكون مؤلماً، ونعزي في فقيد، إلا أن فقد المحبين يكون مؤلماً للغاية، فكل يوم نودع راحلاً، ومعه ألف لوعة لفراقك يا أبا بندر. ففي مغرب يوم الأحد 8 / 10/ 1446ه بلّغني ابني المحامي سلمان بأنه ورده اتصال في مكتبه مخبراً أن أخي الغالي أبو بندر، إبراهيم السليم قد توفي وصلي عليه يوم الجمعة 6 / 10/ 1446ه. هز كياني، وزلزل وجداني، فلا نقول إلا ما قاله ربنا جل وعلا: (إنا لله وإنا إليه راجعون)،(كل نفس ذائقة الموت)،(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)،(لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). انتقل إلى رحمة الله تعالى بمشيئته وتقديره، تاركاً وراءه حزناً كبيراً من معارفه وأقربائه ومحبيه، كلهم بكاه، وبكوا عليه.. فكم من قريب وزميل وصديق فقدوه. فالحمد لله الذي له ما أعطى، وله ما أخذ، وكل شيء عنده بأجل مسمى، وكل شيء عنده بمقدار. رحمك الله وجزاك عنا خير الجزاء يا أبا بندر. ولكل قلب لوعة وثوّار دماء نبكيك حتى لتقي في جنة ورياض خلد زينتها الحور ولا نقول بعد ذلك إلا ما يرضي الرب سبحانه وتعالى: نعم، القلوب تحزن، والعيون تدمع، وإنا لفراقك يا أبا بندر لمحزونون. اللهم أجرنا في مصيبتنا، واخلف لنا خيراً منها. إن من نعم الله تعالى وفضله على الإنسان أن رزقه نعمة النسيان، فإنه متى طال عمر الإنسان وامتدت به الأيام، فلا بد أن يلقى منها أوجاعاً من رحيل عزيز حل أجله، أو مرض يخرم جسده أو نقص في الأموال، أو عرض الأنفس، أو ضعف إيمان. وفي حياة الإنسان قصرها، وطيب عيشها وحزنها، وأنها لا تدوم لأحد، يقول أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس: لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان هذه الدار لا تبقي على أحد ولا يدوم على حال لها شأن العزاء وصادق المواساة إلى أسرته الكريمة وإلى والدَيه، وإلى الدوائر التي من حوله. أتذكر وأنا أقول هذا القول المأثور: إن الرجل ليحفظ ولده وولد ولده الصالح، ويحفظ الله من حوله. داعياً الله العلي القدير أن يغفر له، ويرحمه، ويسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. والحمد لله على قضائه ورحمته. والحمد لله رب العالمين.