تُستخدَم (الملحوظة) للإشارة إلى التنبيه على الشيء، أو التعليق عليه، وقد تكون رسماً كتابيّاً، أو نطقاً صوتيًّا، أو رمزاً إشاريّاً، فقد تأتي على هامش الصور، أو الخطوط، أو الكلام بشكل عام، ويجنح اللغويون لاستعمال لفظة (ملحوظة)؛ لأنها أدق وصفاً، فهي مأخوذة من اسم المفعول للفعل (لحظ)، بخلاف (ملاحظة) المأخوذة من مصدر الفعل (لاحظ) الدال على معنى المشاركة في النظر، أو التركيز في الرؤية، على أن بعض اللغويين ربما توسعوا في الاستعمال، إذ قد يجوّز بعضهم (الملاحظة)، كقولهم: هذه ملاحظات، أو دفتر الملاحظات، أو غرفة الملاحظة. وبعيداً عن الخلاف اللغوي نميل مع (الملحوظة) في التعليق الكتابي، أو الكلامي، ومع (الملاحظة) في التعليق البصري، أو المرئي. ولأن الملحوظات مرتبطة بالشأن الكتابي، فقد استعملها القدماء في تصانيفهم تحت نعوت مختلفة، كالتنبيهات، والاستدراكات، والتعليقات، والشروح، ونحوها، وربما اندرجت في سلكها بعض (الحواشي) التي تتكئ على التعليق، والتنبيه، والتوضيح، والتعديل، والتفسير، والتصحيح، وتلكم أهم وظائف الملحوظة، غير أن المعاصرين ربما استعملوها بأوصاف متنوعة أيضاً، كالمداخلات، والتعقيبات، والتدوينات، والتعليقات، والمناقشات. كما استعملها المعاصرون في إطار البحث العلمي، للإشارة إلى تقويم العمل، وتجويده، وتصحيحه، وأكثر ما يكون ذلك في الأبحاث، والرسائل، والأطاريح ذات الطبيعة التحكيمية. بيد أن الملحوظات التي قد تكون علمية، أو اجتماعية، أو عامة، ربما كانت أدبية، وعندئذ تقترب من مسلك (التوقيعات) التي عُرفت قديماً مع الرسائل، والمكاتبات، والأجوبة، غير أن التوقيعات تميل إلى الطابع الرسمي، وتنطلق عادة من الرسائل والرد عليها (الجوابات)، أما الملحوظات فهي تدوين كتابي ليس بالضرورة أن تولد من رحم الرسائل، إنما قد تخرج مستقلة بذاتها أحياناً، دون أن ترتبط برسالة، وقد تتصف بالسعة والشمول، بحسب المقام والسياق، وعادة ما يدونها أصحابها بوصفها تنبيهاً، وقد تأتي واضحة ومباشرة، أو رمزية ملغزة، وحينئذ قد تكتسب لوناً أدبياً معيناً. ويظهر أن كتابة الملحوظات شكل أدبي يتفرع عن أدب الرسائل، ويقفو أثر التوقيعات والأجوبة أحياناً؛ ولذلك عثرت على كتاب أجنبي مؤخراً عنوانه (المزيد من رسائل الملاحظة، مراسلات تستحق نظرة أوسع: more letters of note)، ضمّنه جامعه (شون آشر)، كثيراً من الملحوظات التي كتبها أصحابها على الدعوات، والإعلانات، والصور، والرسائل، والذكريات، واتسم أسلوبها بالعمق، والإيجاز، والتنوع، وليس بوسعي الحديث عن الكتاب الذي جاء في ثلاثمائة وستين صفحة. لقد عُرِفت (الملحوظات) عند اليونانيين قديماً تحت مصطلح (هيبومنيما hupomnema) الذي يشير إلى نوع من الكتابة الشخصية يُستخدم لتسجيل الأفكار الشخصية، والتأملات الذاتية، بهدف الحفاظ عليها، وليس للنشر، أو المشاركة العامة. واستخدم الفيلسوف الفرنسي (ميشيل فوكو 1984م) هذا المفهوم لتوضيح كيف أن الملحوظاتِ مصدرٌ خام لكتابة الأطروحات، وتنظيم المشاعر، كالغضب، والحزن، والخوف، والفرح، ونحو ذلك، فهي ليست تدوينات عابرة فحسب، بل هي كما يقول (فوكو): «كنز متراكم لإعادة القراءة والتأمل لاحقًا». وقد حاولت الدخول إلى عالم الملحوظات عندما التقطتُ صورةً لمنظر جميل وقت الغروب، وكتبتُ: «إياكَ أن تَنطَفِئَ؛ ما أجملَ أن تظلّ دائماً مضيئاً»، فعلّق أحدهم: «أما بعد، فتذكّر يا صديقي أن النجوم لا تُرى إلا في الليل، وأن النور لا يُختبر إلا حين تشتد الظلمة، فكن دائماً متوهجاً»، كما رأيتُ مرةً على باب أحدهم هذه الملحوظة: «مرحباً يا عزيزي، طرقتُ الباب، فلم يجبني أحد، أرجو أن تكونوا بخير، سأزوركم قريبا». ورأيت هذه الملحوظة ذات يوم على باب أستاذ: «إلى طلابي الأعزاء، أنا موعوك هذه الأيام، سأعود إليكم.. دعواتكم».