نظّم مركز عبدالله بن إدريس الثقافي ندوة متخصصة بعنوان: "التنوع الثقافي، الأحساء أنموذجًا"، وذلك صباح الخميس الماضي، في قصر إبراهيم التاريخي في وسط مدينة الهفوف، واشتمل برنامج الندوة على 3 جلسات ثقافية متنوعة، شارك فيها 9 متحدثين من المثقفين والأكاديميين. نوعان من الندوات أوضح أمين عام المركز الدكتور زياد الدريس، خلال كلمته في الندوة، أن المركز ينظم نوعين من الندوات الثقافية، وهما: الندوات الجماهيرية، والندوات المتخصصة للمهتمين والمتخصصين في موضوعات محددة، مبينًا أن الأحساء تمثل أنموذجًا للتنوع الثقافي في الوطن العربي، موجهًا الشكر لمحافظ الأحساء الأمير سعود بن طلال بن بدر على عنايته بالندوة، وتفضله باستقبال المتحدثين من الضيوف من خارج الأحساء في ديوان المحافظة الأربعاء الماضي. واختير قصر إبراهيم التاريخي مكانًا للندوة، فهو يحمل عبقًا في التنوع الثقافي، وهوية الأحساء، والمركز يهتم بتعزيز الهويات والقيم الوطنية والعربية والإسلامية. قبول الآخر سلوكًا أبان العضو السابق في هيئة كبار العلماء الدكتور قيس آل الشيخ مبارك في كلمته خلال الندوة، أن حب الوطن أمرٌ حسن، وهو عين الوفاء للبلد، وهي فطرة، ومحبة لحقيقة مجردة، وليست لرفض ومعاداة الآخر، ومن مروءة الرجل حنينه لوطنه وبرّه بإخوانه، وأن التشريع الإسلامي يبني في الإنسان النفس الكاملة والمكتملة في العقل والفهم والوعي والتفكير، وفي التعاون مع الآخر، مع التأكيد على اتفاق القلوب. وكان العلم متفشيًا في الأحساء، وكثير منهم طلبة علم، وفيها نوعيًا، جعل من قبول الآخر سلوكًا، وأن انتشار التربية والتعليم في الأحساء كانا نافعين لأهلها، ومن شأنهما أن يجعلا الإنسان متسامحًا وقابلًا للطرف الآخر، وأن الدين الإسلامي من شأنه قبول الآخر، وأن الإسلام ينفي من النفس الضغينة والحقد. تعدد زوايا النظر انطلقت الجلسة الأولى في الندوة بعنوان: "التنوع الثقافي والتراثي (رؤية عامة)"، أدارها مدير التعليم في الأحساء سابقًا حمد العيسى، وتحدث فيها العضو السابق في مجلس الشورى الدكتور سليمان الماجد، الذي أكد في ورقته خلال الجلسة، أن التنوع الثقافي هو تطور الحياة، وتبادل الخبرات بين مصالح ومعارف متنوعة ومتعددة، ويعني الاعتبار والمقارنة وتعدد زوايا النظر، ويقود إلى الثبات على الموقف أو تعديل هذا الموقف أو الرجوع عنه دون تعنت، والتنوع هو الجمال حينما تتعدد الألوان، موضحًا أن الأحساء لوحة بديعة زخرفت تنوعها، وتنوعت في أمور كثيرة منها جغرافيتها وطبيعتها وتاريخها واللسانيات وغيرها. بناء التعايش بيّن الباحث والناقد والمفكر الدكتور سعد البازعي في ورقته بالجلسة، أن التعدد الثقافي ظاهرة واضحة في معظم المجتمعات، وأكثر تأثيرًا في بعض المجتمعات بسبب نشأة تلك المجتمعات وظروف تشكلها، فالمجتمعات حديثة النشأة يظهر فيها التعدد الثقافي جليًا، وهو أقل بروزًا في المجتمعات قديمة التشكل. وأهمية الظاهرة استدعت معالجات علمية وفكرية مختلفة، ومن خلالها تطورت نظريات تستفيد منها المجتمعات الأخرى لدراسة الظاهرة، وأن التنوع الثقافي يمثل تحديًا لأي مجتمع يعيش ذلك التنوع، وذلك في محاولة المواءمة بين المهيمنة وأخرى أصغر حجمًا. أضاف البازعي أن هناك مساعي للوصول إلى توازن مرضٍ لكافة أطياف الثقافة في المجتمع، وأن الأقليات تطالب بالاعتراف بها وتاريخها وما إلى ذلك، موضحًا أن للمملكة تجربة لافتة في التنوع الثقافي، ومنذ تأسيسها أنموذجًا في بناء التعايش، وهو على قدر عالٍ من النجاح، والتنوع الثقافي في المملكة كنزٌ مع النسيج المتماسك المكوّن من خيوط متعددة الألوان. جاذبة للعلم أشار الأستاذ الجامعي الدكتور مسفر القحطاني إلى أن هناك علاقة قوية بين صناعة الأفكار ومصانع البيئة والطبيعة، وعلاقة أكثر قوة بين الأخلاق الراسخة والموروثة ومنتجات الأفكار، وأثر الهواء والجغرافيا في طبيعة البشر، في تفكيرهم وسلوكهم وطباعهم وأمورهم الحياتية، وهناك علاقة تفاعلية بين البيئة والإنسان وتأثيراتها العميقة على حياته وأفكاره. لافتًا إلى أن البيئة الأحسائية أثرت التنوع الفكري والثقافي بشكل كبير حتى أصبحت ميزة فريدة فيها، إذ إن البيئة الطبيعية الخضراء في الأحساء كانت مقصدًا للهجرة وباتت بيئة جاذبة للعلم والتعدد والتبادل التجاري، علاوة على أن الأحساء منفذ اقتصادي، والنزوح إلى الأحساء في مواسم الغوص، وحركة التنقل بين القبائل. وأن الأحساء المركز الأول في الهجرات النجدية للدراسات الدينية بنسبة 70% من مجموع الهجرات لطلبة العلم. وقد غلب على الإنسان في الأحساء الاشتغال بالزراعة والتجارة، فهي تمنح التسامح والتواصل والتبادل المنفعي، كما منحت الزراعة أهلها قدرًا عاليًا من التجانس فيما بينهم وتضامنًا اجتماعيًا، وتقوم بنوع من الضبط الاجتماعي الذي يمنع الصدام. الدرجة الأولى وطنية وفي الجلسة التي حملت عنوان: "الأحساء المتغير الثابت عبر التاريخ"، وأدارها الرئيس السابق لنادي الأحساء الأدبي الدكتور ظافر الشهري، أكد أن الأحساء جديرة بأن تنظم فيها ندوات، وأن التنوع الثقافي في الأحساء تنوع مختلف بين شرائح المجتمع المتعددة في الأفكار والمذاهب والمعرفة، وأن الأحساء مثالية ومن الدرجة الأولى "وطنية". وتحدث في وقائع الجلسة الدكتور مشاري النعيم، الذي أوضح في ورقته أن دراسات متخصصة في فك الشفرات المرتبطة بالفن المعماري في الأحساء، من بينها: "الزخارف الأحسائية" ودراسة معانيها، وتطوير مصطلح التطبيع الثقافي مع الشكل، ومع تقبل المجتمع للشكل يأخذ الشكل في الانتشار، والمجتمع أكسبها قوة، لافتًا إلى أن الأحساء تتميز بعمارة محددة. التوافق والتجانس أكد المهندس صادق الرمضان في ورقته في وقائع الجلسة، أن في الأحساء نموذجًا يستحق الاحتفاء بين المذاهب المختلفة، وأن المدارس في الأحساء خرجت الكثير من طلبة العلم، وأن التوافق بين الحالة المذهبية في الأحساء كبير، وهو أمر متقدم في المنطقة، وأن المجتمع الأحسائي متجانس بشكل كبير، وذلك منعكس من خلال التواصل المستمر بين المجتمع في الأحساء، والمحبة والود والصداقة بينهم. ملامح حضرية وفي الجلسة التي عنوانها: "المحافظة على الهوية والقيم في ظل التحول والاقتصاد الرقمي (موازنة الأصالة بالحداثة)"، وأدارها الدكتور فهد الداوود، تحدث الدكتور عبداللطيف العفالق في وقائع الجلسة، مبينًا أن السمات الأبرز للشخصية الأحسائية هي السكينة والاعتدال واحترام الاختلاف، وقبول التعدد، وغياب النزعة الصدامية، وحب العلم، وأن الأحساء تمثل حالة مثالية وهي منظومة أنتجت شخصية ذات ملامح حضرية واضحة إلى اليوم. ولفت الاقتصادي الدكتور إحسان بوحليقة إلى أن الأحساء تمثل اقتصادًا متنوعًا وتبادلًا تجاريًا في تجربة تكاملية اقتصاديًا مع أنحاء المملكة. وذكر الدكتور عبدالرحمن الصايل في ورقته في الجلسة أن الأحساء واحة تعددية منذ قرون، وفيها تنوع اجتماعي وتاريخي وزراعي