لا يقف الحراك الاقتصادي ولا نُموّه في المملكة عند المتانة والرسوخ، إذ إنه يشهد مرحلة مفصلية غير مسبوقة من حيث التحول التنموي المتسارع، فالمؤشرات الأخيرة تعكس قوة اقتصادنا الوطني وقُدْرته على التكيّف مع التحديات العالمية، وكذلك استمرار مسار الإصلاحات الهيكلية والمالية ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030. لقد أثمر هذا الحراك، والتوازن، وقبلها البصيرة الحصيفة عن نموّ زاخر لافت في الاقتصاد السعودي، الذي نما بنسبة 5 % على أساس سنوي خلال الربع الثالث من العام الجاري، مدعوماً بارتفاع مساهمة الأنشطة غير النفطية بنسبة 4.5 %، بما يؤكد تقدّم جهود تنويع مصادر الدخل وتوسيع قاعدة الإنتاج بعيدًا عن تقلبات أسواق الطاقة. وفي السياق ذاته، سجّل مؤشر مديري المشتريات PMI مستوى 60.2 نقطة في أكتوبر 2025م، وهو الأعلى منذ مطلع العام، ما يعكس استمرار زخم الطلب المحلي وتعافي نشاط القطاع الخاص. وفي حين يواجه الاقتصاد العالمي معدلات تضخم مرتفعة وتقلبات مستمرة، تمكنت المملكة من الحفاظ على استقرار معدل التضخم عند 2.2 % خلال شهر أكتوبر، استمرارًا لنهج مالي ونقدي متزن يوازن بين دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على استقرار الأسعار وجودة الحياة. أما نتائج الميزانية العامة للدولة؛ فقد أظهرت -بفضل الله- استمرار تحقيق التوازن المالي وتعزيز الاستدامة على المديين المتوسط والطويل، حيث بلغت الإيرادات غير النفطية حتى نهاية الربع الثالث 383 مليار ريال بزيادة نسبتها 3 % مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في دلالة على فعالية البرامج والإصلاحات الهادفة لدعم الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار. وفي إطار تطوير سوق العمل ورفع كفاءة القوى العاملة، يواصل برنامج الاعتماد المهني تقدّمًا لافتًا من خلال منظومة متكاملة للفحص والتحقق من المهارات المهنية، مستهدفًا أكثر من 220 مهنة ومرتبطًا بدول تمثل معظم حجم العمالة الوافدة، لضمان كفاءة التشغيل وتعزيز الإنتاجية وجودة المخرجات. كما تبرز مبادرة «سعوديبيديا» بوصفها مشروعًا معرفيًا وطنيًا رائدًا، يسهم في توثيق المحتوى السعودي بلغات متعددة، ويشكل مرجعًا نوعيًا يعتمد عليه الباحثون وتقنيات الذكاء الاصطناعي عالميًا، في خطوة تعزز حضور المملكة المعرفي والرقمي على المستوى الدولي. إن هذه المؤشرات والبرامج تعكس رؤية واضحة وإرادة تنموية واعية، تؤسس لاقتصاد متنوع وأكثر قدرة على مواجهة المتغيرات العالمية، وتضع المملكة في مسارٍ تنافسي متقدم ضمن الاقتصادات الصاعدة. ويبقى رهان المرحلة قائمًا على الاستمرار في بناء اقتصاد متين يحفزه الابتكار، ويقوده الاستثمار النوعي، ويضع الإنسان في مركز أولوياته، ليظل الوطن نموذجًا للنمو المتوازن والاستدامة المستقبلية.