عاد مهرجان الدرعية للرواية بنسخته الثانية ضمن برامج «موسم الدرعية» 25/26، ليواصل حضوره كمنصة أدبية تحتفي بالسرد وفنونه في قلب حيّ البجيري التاريخي، والذي شكل منّذ الأزل منطقة ثقافية أدبية واجتماعية، ومهد حضارة إنسانية على ضفاف وادي حنيفة.. للحديث عن تفاصيل المهرجان ودوره في تعزيز حضور الدرعية كوجهة ثقافية عالمية، «الرياض» تحاور مدير موسم الدرعية الأستاذة أحلام آل ثنيان، والتي تكشف ملامح التجربة الجديدة للمهرجان ورؤيته في تمكين الإبداع السردي. * ما الذي يميز مهرجان الدرعية للرواية في نسخته الثانية، وكيف ينعكس ارتباطه بحي البجيري وخصوصيته الثقافية؟ o في حقيقة الأمر، يستمد مهرجان الدرعية للرواية هذا العام هويته من ارتباطه بالمكان، فحي البجيري كان عبر تاريخه مركزًا للمعرفة وملتقى للعلماء والمفكرين منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى. وإعادة هذا الدور اليوم من خلال مهرجان أدبي معاصر تمنح التجربة عمقًا ثقافيًا واضحًا، وتجعل السرد حاضرًا في موقع عاش طويلًا مع القصص والروايات الشفهية، وهو ما يزيد من ارتباط الزوار بإرث الدرعية، ويحول التجارب الأدبية إلى مساحة تمتد من أصالة المكان إلى إبداع الحاضر. * لكن، مهرجان هذا العام يشهد توسُّعًا في البرامج والأنشطة، كيف ينعكس هذا التوسع على جودة التجربة التي يعيشها الزائر؟ o الفكرة الأساسية خلف هذا التنوع هي جعل السرد تجربة حية يمكن للجمهور أن يعيشها بمختلف أشكالها، لذلك حرصنا على تقديم مساحات تفاعلية تمنح كل زائر طريقته الخاصة في التواصل مع القصة، فهناك من ينجذب إلى ورش العمل والجلسات الحوارية والمحاضرات والأمسيات الملهمة، وآخرون يفضلون التفاعل المباشر. هذا التنوع بشكل عام، يفتح الباب أمام فئات مختلفة من الجمهور"القرّاء، والمهتمين بالكتابة، والباحثين عن الإلهام"، بلّ حتى الزوار الذين يخوضون تجربتهم السردية الأولى، نحن نؤمن بأن لكل شخص قصة، والمهرجان صُمّم ليتيح للجميع فرصة اكتشاف صوته داخل عالم الإبداع، بمشاركة خبراء وأدباء متخصصين في السرد من داخل المملكة العربية السعودية وخارجها. كما حرصنا على إدخال تجارب تفاعلية جديدة تمنح الزائر فرصة للتواصل المباشر مع القصة، سواء عبر "مجلس الراوي" أو تسجيل القصص الشخصية أو استكشاف نصوص مخفية في "الدرعية بين السطور". هذا التنوع يجعل الزيارة أكثر ثراء، ويتيح لكل شخص أن يجد ما يناسب اهتماماته، ويعيش تجربة أدبية متكاملة تجمع بين التعلم والمتعة والاكتشاف. * كيف تُسهم أنشطة المهرجان في تمكين المواهب الأدبية وصقل مهارات الكتابة لدى المشاركين؟ o بالتأكيد، هذه الأنشطة صُممت لتكون مساحة تدريبية ومعرفية تتيح للمواهب الأدبية تطوير أدواتها السردية بشكل عملي، فقد حرصنا في "موسم الدرعية"، على أن تضم الورش والجلسات نخبة من الكتَّاب والمتخصصين الذين يمتلكون خبرة واسعة في صناعة الرواية وتفاصيل بنائها. كما ركزنا على تنويع المحتوى ليشمل تقنيات الكتابة، وبناء الشخصيات، وتطوير الحبكة، وأساليب السرد الحديثة، إضافة إلى جلسات حوارية تفتح المجال لتبادل الخبرات مباشرة مع المتحدثين. وما يميز التجربة هذا العام هو أن المشاركين لا يتلقون المعرفة وحسب، بل يعيشونها ضمن سياق تفاعلي يُعزز ثقتهم بقدراتهم الإبداعية، ويمنحهم فرصة للانطلاق نحو مسارات أوسع في عالم الرواية. * ما الدور الذي تؤديه تجارب المهرجان في إعادة تعريف علاقة الجمهور بالسرد؟ o هذه التجارب صُممت لتجعل الجمهور شريكًا في عملية السرد، لا متلقيًا فقط، ففي "مجلس الراوي" نفتح مساحة يومية لقصص مختلفة تُروى بأساليب قريبة من المتلقي، وفي "قصّ لنا قصة" نُتيح للزوّار فرصة تسجيل قصصهم الشخصية وذكرياتهم في بيئة هادئة تحترم خصوصية التجربة. أما "من الراوي؟" فتعتمد على عنصر المفاجأة والاكتشاف، عبر كتب مخفية العنوان تشجّع على قراءة أعمال جديدة دون مؤثرات مسبقة. * إذن، هناك أهداف يبرزها المهرجان من خلال هذه التجارب؟ * بالضبط، فالهدف من هذه التجارب هو توسيع مفهوم السرد نفسه، ليصبح فعلًا اجتماعيًّا يتفاعل فيه الناس بعضهم مع بعض، ومع القصص التي يحملونها. هذه المشاركة تُعيد للجمهور إحساسه بأن لكل شخص قصة تستحق أن تُسمع، وهو ما يُعزز العلاقة بين المجتمع والرواية بشكل عميق وطبيعي. * مع هذا الحضور المتنوع للبرامج والتجارب، كيف ترين انعكاس المهرجان على مكانة الرواية السعودية، ودوره في دعم الأصوات الجديدة في فنون السرد؟ * نعم، فالمهرجان يُقدّم فرصة مهمة للرواية السعودية، لتكون جزءًا من حوار عالمي حول السرد، ومن خلال حضور كتَّاب ومتخصصين من ثقافات مختلفة، والعديد من الورش والجلسات التي تُعنى بصناعة الرواية وتطورها. نحن هنا، نعمل على خلق بيئة ملهمة تشجع المواهب السعودية على تقديم أعمالها، وتتيح لها الاطلاع على مدارس سردية متنوعة. كما أن التفاعل المباشر بين الكتاب والجمهور يمنح الأصوات الجديدة مساحة للظهور، ويعزز ثقتها بالكتابة. وهو ما نطمح إليه أن يكون المهرجان منصة للفنون الروائية والقصصية، وفتح آفاق أوسع للكتَّاب الشباب، وربطهم بعالم أرحب من التجارب والتقنيات الإبداعية. * في ضوء هذا الحراك الثقافي الواسع، ما الدور الذي تطمحون أن يؤديه مهرجان الدرعية للرواية على المدى البعيد في المشهد الأدبي داخل المملكة وخارجها؟ * بلاشك، نطمح أن يكون مهرجان الدرعية للرواية أحد أبرز المنصات الأدبية في المنطقة، وأن يساهم في جعل العلاقة بين الجمهور والسرد أكثر تفاعلًا. فالهدف على المدى البعيد بالنسبة لنا هو بناء مجتمع ثقافي حيّ، يجد في الأدب مساحة للحوار والتواصل وتبادل الخبرات، مع تمكين المواهب السعودية لتأخذ موقعها الطبيعي في الساحة الأدبية العالميّة، ونعمل على أن يشكل المهرجان نقطة التقاء بين الإبداع المحلي والتجارب الدولية، وأن يعكس المكانة الثقافية التي تستحقها الدرعية، وحيّ البجيري تحديدًا، باعتبارها مركزًا عالميًّا للمعرفة. مدير موسم الدرعية الأستاذة أحلام آل ثنيان مع الزميل عبدالرحمن الناصر