في قضية اللاعب السعودي فراس البريكان مع نادي الفتح تبدو الأسئلة اليوم أكبر من مجرد خلاف تعاقدي، فالحادثة كما يتضح من مسارها لم تعد شأناً يخص نادياً ولاعباً فحسب، بل تحوّلت إلى مرآة تعكس التحديات الأعمق التي تواجه تطوّر منظومتنا الاحترافية. اللافت في الأمر هنا ليس الحدث نفسه بل الطريقة التي تشكّل بها الرأي العام حوله وتأثيره على صورة الاحتراف السعودي الذي يعيش أكبر تحولاته في السنوات الأخيرة، فمنذ بدايات الأزمة ظهر لنا أن العلاقة بين اللاعب وإدارة ناديه وصلت إلى نقطة حرجة كل طرف متمسك بروايته وكل جانب يُطالب بحقوقه التعاقدية، إلا أن الثابت في تقديري هو أن المسألة كشفت هشاشة بعض الممارسات داخل إدارات الأندية مقابل نضج متزايد لدى اللاعبين أو بالتحديد وكلاء اللاعبين الذين أصبحوا أكثر وعياً بمساراتهم المهنية وحقوقهم القانونية، وربما هنا يتضح الخلاف الحقيقي احتراف يتغيّر بسرعة ونادٍ لم يستعد بعد لتلك السرعة. ولعلّ ما أعطى الأزمة بُعدها الأكثر تعقيداً هو مسارها القانوني إذ بدأت القصة حينما تقدّم نادي الفتح بشكواه واضعاً أمام هيئة التحكيم ثلاثة أطراف دفعة واحدة: شركة النادي الأهلي، واللاعب فراس البريكان ومؤسسة الرابط الرياضي للتسويق الرياضي التي يمثّلها يزيد بن عبدالرحمن النمر. ومع اتساع أصداء القضية مضى الفتح بعيداً في مطالبه من مركز التحكيم بإصدار أشد العقوبات وذلك بمنع الأهلي من التسجيل وإيقاف فراس البريكان وإيقاف وكيل أعماله، إلا أن هيئة التحكيم أصدرت قرارا عكس تيار نادي الفتح وهو سلامة الموقف القانوني للأهلي وتأكدت صحة قيد وانتقال فراس البريكان. ولنكن واضحين، فراس البريكان لاعب دولي شاب برز بشكل لافت وأثبت نفسه في المنتخب وفي تجاربه السابقة، ما يجعله لاعباً ذا قيمة سوقية عالية، في المقابل كان نادي الفتح يعوّل على استمراره بوصفه أحد أهم مكاسبه الفنية هذه الثنائية خلقت حالة شد وجذب طبيعية لكنها تحوّلت إلى أزمة بسبب غياب منهجية واضحة للتعامل مع الخلافات التعاقدية سواء من النادي أو من اللاعب أو حتى من الجهات ذات العلاقة. على مستوى الصورة الأكبر فإن ما يحدث اليوم يفرض ضرورة إعادة تقييم طريقة إدارة العقود والالتزامات المهنية داخل الأندية فالاحتراف لا ينجح بالعقود وحدها، بل بالشفافية والحوكمة وتفعيل آليات حل النزاعات بشكل يمنع وصولها إلى أن تكون قضية رياضية ذات جدل واسع وهذه مسؤولية لا يتحملها طرف واحد بل المنظومة بأكملها. القضية قانونياً حُسمت لصالح طرف على حساب آخر، لكن ما يجب أن يُحسم فعلاً هو إدراكنا أن رياضتنا تتغيّر، وأن ما كان مقبولاً بالأمس لم يعد كذلك اليوم، وأزمة فراس البريكان مع الفتح ليست إلا إحدى العلامات البارزة في طريق الاحتراف السعودي الجديد، طريق يتطلب نضجاً مؤسسياً بقدر ما يتطلب نجومية لاعبين.. دمتم سالمين.