في كل عام، تتحوّل ليلة ختام الجوائز الثقافية الوطنية إلى ما يشبه العيد الرمزي للمشهد الثقافي السعودي، ليس لأنها لحظة تكريم فقط، بل لكونها وقفة وطنية تُعلن فيها المملكة بوضوحٍ واعتزازٍ، أن الثقافة تقع في قلب مشروعها الحضاري، وأن المنجز الثقافي -أياً كان شكله أو مجاله- أصبح يُعامل بوصفه شهادة استحقاق وطنية. فمنذ انطلاقة المبادرة في 2021، وهي تحظى برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله-، وهو ما جعلها منصة تقدير رسمية تحتفي بالمبدعين السعوديين، من أفراد ومؤسسات، حيث نجحت وزارة الثقافة من خلال هذه المبادرة في تسليط الضوء على طيف واسع من القطاعات الثقافية لتكرم بطريقة مؤسسية ممنهجة، الجهود بصيغتها المتكاملة. ومن اللافت في هذه الجوائز أنها لا تقتصر على فئة أو نوع معين من الفنون؛ بل تشمل طيفاً واسعاً من المجالات، بداية من الأدب، والموسيقى، والمسرح، مروراً بالأزياء، والأفلام، وفنون الطهي، ووصولاً إلى فنون العمارة والتصميم، والنشر، والترجمة، بل وتمتد لتكريم المؤسسات، ورجال وسيدات الأعمال، والشخصيات الثقافية ذات الأثر، والشباب الطامحين. إنها بنية تكريمية شاملة، تسعى لاحتواء المشهد الثقافي بكل ما فيه من دون تمييز بين الفنون الكبرى والصغرى، أو بين المبدع الشاب والرائد المخضرم. وتتميز المبادرة باستحداثها بشكل سنوي لجوائز جديدة؛ حيث استَحدثت في دورتها الأخيرة التي اختتمت في سبتمبر الماضي جائزتين جديدتين هما: جائزة الحِرف اليدوية، وجائزة الإعلام الثقافي، وهو ما جعل من مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية أن تكون نقطة ارتكاز مهمة ينتظرها المثقفون سنوياً، ليس لتتويجها أفضل منجز وحسب؛ بل لأنها تمنح الاعتراف المُنتَظر؛ فالمبدع والمثقف والفنان والأديب والحِرفي، وكل من يعمل في الظل من أجل تعزيز هوية المملكة الثقافية، باتوا يرون في هذه الجوائز نافذة رسمية تُنصت لهم، وتُبرز جهودهم، لتحتفي بهم بجدارة. وما يعزز من قيمة هذه الجوائز أنها تصدر عن جهة حكومية رفيعة، وتندرج ضمن جهود تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي جعلت الثقافة أحد محاورها الأساسية. وهذا ما يجعل الفوز بالجائزة ليس فقط شأناً شخصياً أو مهنياً، بل شهادة وطنية موثقة بأن هذا المنجز، أو هذا الاسم، قد شارك فعلاً في صناعة حاضر المملكة الثقافي، وأسهم في رسم ملامح مستقبلها.