تحيي دول العالم، في الخامس والعشرين من نوفمبر، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، في ظل تحذيرات متجددة من استمرار الأزمة عالمياً، حيث تأتي هذه المناسبة وسط تأكيد على أن نحو 30% من نساء العالم، أي ما يقدر ب 840 مليون سيدة، تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي مرة واحدة على الأقل في حياتهن، وفقاً لبيانات الأممالمتحدة. ويُشدد الخبراء الدوليون على أن مكافحة هذا "الوباء الصامت" تتطلب أكثر من مجرد إصدار القوانين، بل تطبيقها الفعال، والتركيز على الوقاية ومعالجة الأسباب الجذرية للعنف. عالمياً... أزمة رقمية وجمود في المعدلات على الصعيد العالمي، لم تتغير معدلات العنف ضد المرأة بشكل ملموس منذ عام 2000، حيث يظل عنف الشريك الحميم هو الشكل الأكثر انتشاراً، كما يبرز العنف الرقمي كأحد التحديات الجديدة، حيث تعرضت 38% من النساء للعنف عبر الإنترنت، بينما تفتقر أغلبية الدول لقوانين شاملة تحمي من التحرش والملاحقة الرقمية. وتؤكد هيئة الأممالمتحدة للمرأة أن الاستثمار في الوقاية هو المسار الأكثر فعالية لمعالجة هذه القضية. جهود عربية وسعودية رائدة في المقابل، سجلت المملكة تقدماً ملموساً في مواجهة العنف ضمن إطار رؤية 2030، وذلك عبر إرساء منظومة حماية متكاملة: * نظام الحماية من الإيذاء (2013:( يُعد القانون الأساسي الذي يجرّم كافة أشكال الإيذاء. * نظام مكافحة جريمة التحرش (2018(: يفرض عقوبات رادعة لضمان حماية خصوصية وكرامة الأفراد في الأماكن العامة والخاصة. * مركز بلاغات العنف الأسري (1919): يعمل كآلية فورية لاستقبال البلاغات وتوفير الإيواء والرعاية والدعم القانوني للناجيات بالتعاون مع دور الحماية. وأسهمت الإصلاحات التشريعية في تعزيز التمكين القانوني للمرأة، كمنحها حق استخراج الوثائق الرسمية والسفر بشكل مستقل في العديد من الحالات، مما يقلل من تبعيتها ويعزز قدرتها على مواجهة الإيذاء. لم تقتصر جهود المملكة على الإطار القانوني الصارم، بل اعتمدت استراتيجية وقائية تقوم على التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، وهو ما يُعد أحد أقوى السُبل للحد من تعرضها للعنف المرتبط بالتبعية. فإصلاحات رؤية 2030، التي شملت تسهيل دخول المرأة لسوق العمل في قطاعات غير تقليدية، والمساواة في الأجور، ورفع نسب مشاركتها القيادية، ساهمت بشكل مباشر في تعزيز استقلاليتها المالية. إن الاستقلالية الاقتصادية تمنح المرأة القدرة على اتخاذ قراراتها الخاصة بالسلامة وتوفير مسار خروج آمن من أي بيئة عنيفة، مما يحول التمكين إلى خط دفاع أول فعال. البعد المؤسسي والتعاون بين القطاعات يبرز الدور المؤسسي للمملكة من خلال التشبيك بين مختلف القطاعات، حيث لا يقتصر التعامل مع بلاغات العنف على الجهات الأمنية فحسب، بل يتم وفق منظومة متكاملة تشمل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية (التي تدير مراكز الحماية والإيواء)، والجهات الصحية (التي تقدم الرعاية النفسية والجسدية)، والنيابة العامة (لضمان الملاحقةالقانونية)، هذا التعاون العابر للقطاعات يضمن حصول الناجية على الدعم الشامل (القانوني، الاجتماعي، الصحي، الإيوائي) في مكان واحد، مما يعزز الثقة في المنظومة ويشجع على الإبلاغ. وتؤكد هذه الآلية على أن حماية الأسرة والمجتمع هي هدف تشاركي لا يقبل التجزئة. في إطار معالجة الأسباب الجذرية، تعمل المملكة على تطوير مناهج التعليم وبرامج التوعية المجتمعية لنبذ العنف وتكريس ثقافة الاحترام والشراكة. إن التركيز على نشر الوعي بحقوق المرأة وطفلها، ليس فقط بين مقدمي الرعاية ولكن في المجتمع ككل، يهدف إلى تغيير الأعراف السلبية التي قد تبرر أو تتغاضى عن العنف. وهذه البرامج تستهدف بناء جيل جديد يفهم التسامح والاحترام كقيم أساسية في التعامل، مما يحول مكافحة العنف من مجرد استجابة قانونية إلى تحول ثقافي مستدام يضمن استمرار هذه الجهود على المدى الطويل. متى يتحقق الهدف الخامس للتنمية ؟ تُجدد المنظمات الدولية الدعوة للعمل المكثف لتحقيق الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة، الخاص بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين جميع النساء والفتيات، وتطالب الدول بزيادة تمويل برامج الوقاية، وتوفير الخدمات المتكاملة للناجيات، والتشديد على مبدأ "لا عذر" لمرتكبي جرائم العنف.